600 مائة جثة موجودة بإسبانيا وتنتظر الحرق، هذا ما أعلنته بعض الصحف والمواقع الإلكترونية. شباب في مقتبل العمر من الجزائريين الذين ضاقت بهم السُبل، راحوا يبحثون عن بصيص من الأمل في بلدان أخرى، بعدما أُوصدت في وجوههم الأبواب وسُدّت الطرق، ليسوا أبناء جنرالات ولا وزراء ليثيروا شفقة وسائل الإعلام، بل شباب من الطبقات الشعبية الذين تربُّوا خارج الصالونات المُكيّفة، مسّهم الزمهرير وأخافهم الظلام، جاعوا، وتعرُّوا، وحاولوا مراراً وتكراراً العيش الكريم في بلادهم، لكن أحلامهم تبخرت ورماهم اليأس والقنوط إلى هذه النتيجة.

لم يتنافسوا على قصر المرادية ليتربعوا على الشعب كما يفعل المُرشحون السابقون واللاّحقون، مع أنه من حق أي جزائري أن يطلب ثقة الشعب، ولم يتنافسوا على عضوية في البرلمان المغتصب الذي حقق أعضاؤه الكفاف والعفاف على ظهور الكادحين بمواعيدهم الكاذبة، ولم يتنافسوا على الرُّتب والنّجوم التي وصل إليها المدّاحون أو الخبزيزست، ولا ليتنافسوا حتى في الجمعيات على المستوى المحلي بعضوية تحظى بالريع خلال الحملات الانتخابية على طريقة عريوات هذه الأيام، ولم يتنافسوا على المنح التي تعطى للأقربين والأكرمين، للذهاب إلى أوربا وأمريكا في قالب البحث والدراسة أو السمسرة، بل تنافس بعضهم على القمامة من أجل تنقية حبّة طماطم، أو بطاطا، وفي عهد العزّة والكرامة، الذي وعد به الرئيس المفروض على رقاب الشعب منذ 1999.

أناس، لازالت أعمارهم في أعزّ الربيع، ماتوا في أعماق البحار، منهم من لم يتزوج بعد، من شدّة غلاء المهور وارتفاع الأسعار ومعدل المعيشة، والبطالة، وعدم السكن، وحاول بعضهم لأن يقوم بشيء في هذه الحياة الفانية، التي يعتقدون بأنها تريد أن تنفذ منهم، بل كما يقول بعضهم "الدنيا انتهت والجّنة امتلأت"، خير لهم من أن يبقوا مُتكئين على الجدران، يشاهدون الذاهب والآتي، فهاجر بعضهم على قوارب ولسانهم يردد يأكلني الحوت ولا معيشة الذل .

إن الذي يريد أن يخطفه الموت لاقتراب أمواج هائجة، يُمسك بأي شيء لعلّه ينجو، ومن هؤلاء، من أكله الحوت في الأعماق، ومنهم من أكلته الذئاب والضّباع في الصحاري، ومنهم من فقأت عيناه النسور والغربان، ومنهم من شبعت منه الدّيدان والأفاعي، ومنهم من أخرجته الأمواج ليجد نفسه مُحنّطا في ثلاجات ضاقت به في إسبانيا.

600 مائة جثة تنتظر الحرق، لم تثر شفقة الحُكّام والمسؤولين، لأن الإعلام الغربي لم يُركز عليها، ولم يتحدث عنها مجلس الأمن في جلساته الدورية، ولا جامعة الأنظمة العربية في جلساتها الاستثنائية، التي تنعقد عادة لتفريق الجماهير، ولم تُحرّك شفقتهم، لأنهم ببساطة من أبناء المحرومين والطبقات الكادحة، التي ّيراد لها أن تنمح، كأن هؤلاء المساكين، عبارة عن أبقار أو دواجن أصيبوا بالأنفلونزا، بل الدواجن أثارت الرعب وحرّكت وسائل الإعلام، وجعلت الحُكّام يُنفقون الأموال الطائلة، لمواجهة هذا المرض الفتاّك، الذي ظهر في البرّ والبحر والجوّ، خوفا من أن يحيق بهم الموت، فيغادروا هذه الدنيا التي أعمت أبصارهم.

600 مائة جثة تنتظر الحرق، ليست ستمائة توقيع من التوقيعات التي يبحث عنها المُرشحون للنيل ببعض المليارات التي تسمح لهم بإنشاء أحزاب، أو على الشهرة والريع المنتهي، وليست 600 مائة كبش من الأكباش المشوية التي يقيمها أصحاب الزردة لاستقبال عريوات، في كل الولايات، وليست 600 مائة فيلا مُوزعة في نادي الصنوبر أو في المناطق الخضراء على أصحاب النفوذ، ولا ستمائة سيارة فاخرة تعطى كشراء للذمم، ولا ستمائة عازبة من اللائي استقبلن الرئيس يوم 8 مارس، وهو الذي تمنى للشباب يعود إليه يوما ليحكي له بما فعل المشيبُ، بل جثث شباب جزائريين من الطبقة الأخيرة الذين رمتهم الأقدار بأن يوضعوا في ثلاجات في إسبانيا، وهاهم ينتظرون الحرق وأمهاتهم يتقطعن ألما وأهاليهم حسرة، فمتى تدخل الرحمة قلب بوتفليقة الأعزب ومن معه من المرشحين الذين ينافسونه على الفوز بإرادة الشعب التي لن ينالوها، ماداموا لا ينطقون بلسانه؟
 
نور الدين خبابه
16 مارس 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version