لا يتسع المجال لذكر نتائج الأزمة الاقتصادية التي ضربت أطنابها مؤخرا في اقتصاد العالم بأسره بعدما تمكنت من إحداث خمج في رأس هذا الاقتصاد وقاطرته التي تجره ممثلة في الاقتصاد الأمريكي الذي ضربته الأزمة في بيت الداء أي المنظومة البنكية. لسنا مختصين ولا محيطين بكل إفرازات الأزمة ما ظهر منها فضلا عما بطن. لكن ما شدني ولا لفت انتباهي في الصحف العالمية هذه الأيام إلا مقالة عن سوق العقار الأمريكي الذي عرضت فيه البنوك هناك شققا محجوزة للبيع في نيويورك بسعر خيالي لا يخطر على بال بشر. لا سيما إذا هذا البشر جزائريا. وعلى وجه التحديد إن كان من سكان المدن الكبرى المكتوون بنار أزمة السكن. تخيلوا معي – يرحمكم الله – أن تسمعوا بأن هناك شقة فاخرة في نيويورك تعرض للبيع مقابل دولارات معدودات ارتأيت أن أذكرها هنا محولة بما يكافئها من العملة الأوربية. إنها شقة فاخرة في نيويورك مقابل ما قدره 792 يورو.

وللتوضيح أكثر – رجاء لا تصعقوا وترموني بالسفسطة والجنون – شقة في نيويورك بحوالي 9 ملايين سنتيم. والأغرب أنها مزهود فيها (بائرة). فلا أحد تقدم لشرائها. هذه من نتائج الأزمة المالية في أمريكا ولا أستطيع أن أحكم أنها نعمة من نعم الأزمة أو أنها نقمة من نقمها. هذا عن أزمة الاقتصاد الأمريكي. ولا أريد أن أزيدكم من قصيدتها أبياتا أخرى. إنما ركزت على البيوت التي هي أكبر همنا وزهدت في أبيات السياسة التي اتخمنا بها في الجزائر. خاصة أيام الطفرة النفطية عندما كان سعر برميل البترول 147 دولارا. إذاك لم يتحسن حالنا وكثر بناء أبيات قصائد المديح ولم ينجز للجزائريين شيئا مما تلي ذكره عن بناء بيوت السكن.

من نائبات الدهر أن تتساوى لدى الجزائريين النعمة والنقمة وتضحيان سيان. إذ لا فرق بين نعمة البترول إذا كان ثمن برميله يفوق 140 دولارا أو كان يقل عن 40 دولار. تماما كما لا فرق عندهم في شأن السماء أمطرت أم لم تمطر إذا كان سعر الخضر على الدوام في ارتفاع مضطرد. حتى أصبحت البطاطا في رمضان مضى تندرج ضمن تصنيف " لمن استطاع إليه سبيلا"… حدث هذا ويحدث رغم أننا كعرب يقال عنا أن اقتصادنا ومعيشتنا معلقة بين السماء والأرض. أي بين ما ينزل من السماء من غيث وما يستخرج من باطن الأرض من نفط.

لو ربطنا جدلا بين أزمة طارئة في أمريكا هوت بسعر شقة فاخرة بنيويورك إلى ما دون ثمن برّاكة قذرة في " شطيبو" . وبين أزمة مستدامة في الجزائر تسييرها حكومات متعاقبة. ولا أدري إن كانت تريد حلها أو إدامتها، وناقشناهما على ضوء ظاهرة "الحرقة". فلا شك أن شبابنا سيغيرون وجهة قواربهم (بوطياتهم) صوب العالم الجديد بدلا عن فرنسا التي لا يرحم فيها أحد وإنكلترا بعدما لم تعد فيكتوريا الملكة التي لا يظلم عندها أحد. فعلى الأقل والحال هكذا في أمريكا فإن "الحراق" ييمم شطرها موقنا أنها بلد لا يبيت فيها أحد في العراء. بل إن بإمكان كل من اكتسب 9 ملايين سنتيم أن يظفر هناك بشقة لن يطأ مثلها في الجزائر ولو باع قرنيته أو إحدى كليتيه أو كلاهما!

لقد أعيب على اقتصاد أمريكا تمويله قروض العقار وأعيب على أكبر اقتصاد عربي (الإمارات) أنه وظف أموالا ضخمة في بناء العقار . وهذا ما يجعل اقتصادنا – والحمد لله – بلا عيب. فلا هو بنى عقارا ولا مول قروض شرائه. بل إن حكمة العجائز هدته لاكتناز ملايير ريع البترول في الخزينة العمومية، ولن يخرجها إلا في أحلاك الظروف كما قال ذات يوم وزير داخليتنا ومعه حق " القرش الأبيض في اليوم الأسود".
 
عبد الله الرافعي
15 مارس 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version