على الرغم من أن موعد حملة انتخاب الرئاسة الجزائرية المقبلة لم يحدد بعد، إلا أن ذلك لم يمنع من إطلاق حملة ما قبل الحملة مبكرا من طرف العديد من العصب السياسية وغير السياسية وهي عينات من الناس أصبحت في العشرية الأخيرة كأنها طيف سياسي خاص. فبينما كان إعلان بوتفليقة عن تعديل الدستور لإبطال مفعول مادته الرابعة والسبعين المانعة لأكثر من ولايتين رئاسيتين، حتى اتخذت منه فصائل الارتزاق السياسي فرصة لحجز الأماكن و التنافس على التموقع تحت جناحي الرئيس الذي رأوا في إعلانه عن تعديل الدستور إشارة تدل على ترشحه للعهدة الثالثة. مع أنه ولحد هذه الساعة لم يعلن عن ذلك إلا رمزا. ويتزامن مع جهود البوتفليقيين هذا نشاط آخر وحراكات مخالفة له في ساحات أحزاب أخرى. وبينها (الأحزاب) من اتخذ بعضهم من هذه المعطيات مناسبة للانقضاض على الخصوم أو تصفية حسابات ذات البين. فتحول الرئيس إلى نقطة محورية تحدد إحداثيات كل فريق على خارطة الحدث السياسي وتحدد عبارة "مساندة الرئيس" هوية وإيديولوجية بل ومستقبل كل جماعة. وعلى ضوئها تتحدد وضعيات الكتل والحقيقة أن الشخصيات التي تدعم الرئيس وتذود دفاعا عنه وعن برنامجه وعن دستوره وعن العهدة الثالثة وعن وعن وعن…

كل هذه الشخصيات تفعل ذلك إما نكاية في الخصوم، إذا كانوا معارضين لـ"عنعناتهم" وإما استقواء به على الخصوم وإما لجعل ثقل بوتفليقة وصلاحياته فزاعة ترهب الخصم فيستسلم عن بعد ويشهر الراية البيضاء وإما أنهم يدعمون بقاء بوتفليقة على أمل ألا تزول النعم التي يتمرغون فيها برحيله من قصر المرادية. و هؤلاء هم الأكثرية بين كل البوتفليقيين الذين ركبوا موجة التعديل والعهدة الثالثة طمعا في الريع ونكاية في الخصوم لا حبا في بوتفليقة بل حبا لأنفسهم بكل أنانية مقيتة أفضل منها سلوكيات الفئوية البغيضة!

والحاصل أن حركية الفعل السياسي والاجتماعي والجمعوي والثقافي وغيرها، كلها أضحت إما في حكم المجمد لما بعد إفراز صناديق الرئاسيات وأداء اليمين الدستورية من قبل الرئيس بوتفليقة العام القادم إذا أعيد انتخابه، أو أي رئيس آخر إذا ما فشلت جهود البوتفليقيين وخابت مساعيهم نتيجة إفراز الصناديق لغير ما تشتهي أنفسهم. أو نتيجة لرفض بوتفليقة الترشح وتخييب أملهم ورجائهم فيه، في حال ترك مضمار السباق قبل انطلاقه وفضل الزهد في العهدة الثالثة وعف عنها وعفا، ولو أن ذلك نظريا أمر مستبعد الحدوث.

إن كل المواعيد والبرامج والمشاريع مؤجلة إلى ما بعد الرئاسيات أو قل إنها كلها أضحت في حكم مهام أجلت لرئيس عام 2009 سواء كان هذا الرئيس هو بوتفليقة أو غيره. وقد اختزلت السياسة الجزائرية برمتها هذه الأيام في دعم الرئيس لعهدة ثالثة أو معارضة ذلك. وإذا كان الواقع يؤكد أن أي شخصية يستهويها دخول معترك الرئاسيات لمنافسة بوتفليقة لن تكون إلا أرنب سباق. فذلك لا يمنع من أن "أرنب عن أرنب يختلف". فهناك أرانب صغيرة وأخرى كبيرة. صحيح أن الكبير منها لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون ندا للمرشح الأوفر حظا و لكن هذا لا ينفي أيضا أن يحسب للكبار حسابهم ولو كانوا أرانبا .
 
نحن هنا لا نريد بالأرانب حطا من قيمة أي من الذين ستمكنهم الـ75 ألف إمضاء من الترشح لطرق باب قصر المرادية وتجريب الحظ الديمقراطي .

فكلمة أرنب ليست عيبا و لا نقصد بها ذلك. وهذا الحزب الديمقراطي الحاكم اليوم في أكبر دولة في العالم يتخذ من الحمار صورة واسما وعنوانا له. فما بال كل الذين يعتزمون الترشح للرئاسيات الجزائرية القادمة كلهم يتخذون من موال "لن أكون أرنب سباق" لازمة لأحاديثهم وخطاباتهم وتصريحاتهم. من موسى التواتي زعيم الجبهة الوطنية الجزائرية إلى علي فوزي رباعين مرورا بعبد الله جاب الله. ثم لماذا يبدو كل من يتحدث منهم عن الرئاسة مدافعا عن نفسه ومرافعا بأنه لن يكون أرنبا من فرط حساسياتهم من فوبيا هذا الوصف؟

هذا عن جبهات معارضة الرئيس. أما على الصعيد الداخلي لجبهة أو كتلة المساندة. فشأنها شأن آخر يكفي أنها أصبحت تشكل فسيفساء من الأحزاب والجماعات والجمعيات والشخصيات يحير ذوي الألباب. فمن كشافة الأطفال والأناشيد إلى جمعيات الزوايا والتكايا والوعدات والزردات. لا أحد يتخلف عن الدعم والمساندة. ولأن الكل تساوى في دعم العهدة الثالثة فقد زالت الفوارق وبطلت الحسابات. حيث لم يعد هناك أي فرق بين أكبر حزب في الجزائر يدعم ويساند وبين رهط كشافة ينافسه في هذا المسعى. فما الفرق بين رئيس حزب وطفل في الكشافة؟! وما الفرق الآن بين "حضرة" قرآنية في جنازة و بين تجمع سياسي لمناضلي وإطارات حزب مساند؟! طبعا لا فرق إطلاقا.  

عبد الله الرافعي
30 ديسمبر 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version