“ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب” كانت هي تلكم مقولة الثائر الجزائري، الشهيد بإذن الله، محمد العربي بن مهيدي، أحد قادة الثورة الجزائرية التاريخيين، وأحد أعمدتها الذين خلّدوا أسماءهم ونحتوها بذهب ولؤلؤ، هاهي مقولته تنتقل من فرد إلى جماعة، ومن زمان إلى زمان، حتى أصبحت مضرب الأمثال لدقتها ومرجعا للتغيير، ولأنها ببساطة خرجت من قلب مؤمن ولسان صادق، فإنها أتت أكُلَها بإذن ربّها. وها أنذا اليوم، أحاول تجديدها وإطلاقها في الإنترنت، مع فارق كبير بين الشخصيتين وبين التاريخين.

تاريخ رفع فيه السلاح محمد العربي بن مهيدي في وجه المستعمر الفرنسي، وأطلق رصاصته وحكمته عندما سُئل في بداية الظروف الصعبة التي أحاطت ببداية الثورة، والتي احتضنها الشعب فيما بعد وأحدث المفاجئة، وتاريخ، يحمل فيه فلاّح بتعبير الخبيثين قلما كان محبوسا، يقذف به عبر لوحة المفاتيح بفكرته الغرباء عن الشعب، وهم الذين جثموا على جسم الأمة واستفادوا من الاستقلال الذي لم يصنعوه، فهم الجبناء الذين التحقوا بالثورة أيام الاستقلال.

لقد أُحكم الخناق وضُرب الحصار على المعارضة في الداخل، من طرف النظام المستبد، الذي صادر الإرادة الشعبية واغتصبها، وانحرف عن الأهداف التي سطرها قادة الثورة وتبناها الشعب، في بيان أول نوفمبر، وفي أول بند: “بناء دولة جزائرية ديمقراطية عصرية في إطار المبادئ الإسلامية”. واحتار اليوم الكثيرون في الإمكانيات والوسائل، لتبليغ الرسالة، ومواصلة السير من أجل القضية التي قضى من أجلها الشهداء وضحى لأجلها الشعب ودفع الغالي والنفيس، ولأجل تحرير الاستقلال من بطش العتاة والمستبدين. لا أرى مانعا إن ضربت هذا المثل اليوم وشبهت الشارع بالإنترنت، ولا أبالغ إن قلت أن الإنترنت أبلغ وأدق تأثيرا من الشارع، الذي تحدث عنه البطل الفذ، قائل الحكمة وقتذاك مع فارق التاريخ كما أسلفت.

إذا أردنا أن يحتضن الشعب القضية المتمثلة في التغيير المرجو والقادم لا محالة، فإن التواصل ومدّ الجسور هي إرجاع الثقة إلى الشعب التي اهتزت بسبب ظلم النظام، الذي فرق الشعب في المظاهرات بالغازات السامة والمسيلة للدموع، وروّع الأطفال والعجزة عبر الاختطافات. النظام الذي ناب عن المحتلين في مكرهم وخداعهم، ففرّق بين الأخ وأخيه والولد وأبيه والأمّ وبنتها، ووصل الأمر إلى قطع صلات الرّحم، فالكثير ممّن قُطعت أرحامهم ومات أهاليهم، أو وُلد من بعدهم أقارب لا يعرفونهم، نتيجة اللّجوء إلى أوطان أخرى وفق السنن، أو نتيجة السنين التي قضوها في السجون والمعتقلات، وها هي البشارات تأتي وتتلاحق يوما بعد يوم، ويتحول البعد إلى قرب بعدما ظن المخلصون من أبناء الشعب أنهم كُذّبوا. فها هي الأغلال تُفك، والقيود تتكسر، ويُستدرج الظالمون المعتدون، من حيث لا يعلمون، إلى معارك طاحنة، وها هي الإنترنت بوسائلها المختلفة وتقنياتها المعاصرة، تكاد تعمُّ البيوت، فيلتقي الأهالي من دون عسس ولا أعباء ومصاريف، ومن دون تحمّل مشاق السفر، بركوب الطائرة أو القطار، ولا بطلب التأشيرات وطول الانتظار.

إن الانترنت اليوم هي الوسيلة التي يمكن أن يَحدُث بها التغيير ونردع بها الطغاة من الانقلابيين فهي البعبع الذي يُخيفهم وأزلامهم، فارموا بالانتفاضة إليها.

أكتبوا وعلّقوا، وانشروا فضائح المفسدين من اللصوص والمرتشين، بالصور والأشرطة، المسموعة والمرئية، وليصنع كلّ منكم قناة وليصبح مديرا لها، قولوا للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت، واعدلوا، ولا يغرنكم العدد والإشهار، وأخلصوا في أعمالكم فإن الرياء هو الشرك الأصغر، ولا تتسرعوا في جني الثمار، فإن السنن الكونية علمتنا أن ما يزرع في الخريف لا يجنى إلا بعد أن تسقط عليه الأمطار في الشتاء، فبردٌ وربيعٌ ثم صيفْ.

نورالدين خبابه
27 نوفمبر 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version