صنف من الناس انتشروا في المواقع والمنتديات، يكتبون بأسماء مستعارة، لا يستطيعون أن يكتبوا بأسمائهم الحقيقية ولا ليظهروا رجولتهم، إلا إذا كانوا من وراء الستار أو الجهاز، فهم تلكم الشخصيات الوهمية المصطنعة التي ينخدع بها الإنسان ويحسبها أنها رمز للتحدي وعندما يقترب منها يجدها كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء.

منهم صحفيون مأجورون، مهمتهم ملاحقة بعض الأقلام النزيهة، ومنهم المخابرون بمهمات مختلفة، ترتكز على الابتزاز والتشويه، ومنهم الحاقدون والحاسدون المُكلفون بالإفساد لكلّ فكرة أو موضوع حسّاس فيأتون لقذفك بأبشع الألقاب لثنيك على مواصلة دربك.

وحوش مفترسة إذا ما علّقوا، كتابتهم كلها سباب ولعان هدفها تخويفك وإسكاتك، أصواتهم تشبه نعيق الغربان الذي لا يفهمه إلا المتخصصون في علم اللّغات كما شرحنا في موضوعنا السابق، نعيق الغربان وإذا علا فهو كنهيق الأحمرة أو صهيل بعض الدّواب.

زوابع تشبه قدوم الإعصار إذا ما قدموا، يتحدثون بالأوامر ويصمتون كذلك، لا تعرف لهم فصلا ولا مفصلا، ميّالون للهوى فهو إلَههم الذي لا يُعصى، عملهم رياء ومعاملاتهم تملّق وخبث ومصالح.

وصنف آخر، مع الحاكم فقط فهو المُطاع، نابغة العرب حتى ولو تحدث بلغة غيرها طوال حياته، وهو الشاعر حسّان حتى ولو خالف الشريعة كلّها وعمل بغيرها، وهو أينشتاين زمانه حتى ولو جهل أبسط أبجديات الحياة، وهو الزاهد الصوّام القوّام حتى ولو قلّد وسام الأثير لأهل الفساد و فراعنة العصر .

هو رجل الحوار والمصالحة حتى ولو كمّم الشعب كلّه ووضع أبناءه في الصحاري والمعتقلات وهو الإمام والقدوة حتى ولو رقص في حانات باريس، وهو عمر المختار إمام المجاهدين حتى ولو باع الأرض ورهنها إلى المحتلين، هو فارس القرآن وحافظ الكتاب حتى ولو عمل بمذهب إزيس وتتعتع بلغة قومه ولم يركع ولم يسجد، وهو الرجل الصالح حتى ولو قسّم الشعب شيعا وأحزابا، ومات نصفُه فقرا أو انتحارا، أ ورمى الشباب نفسه بحراً من سد الآفاق…

إذا ما خالفتهم عادوك وأعلنوا عنك الحرب فأنت العدوّ الأول بالنسبة لهم، وأنت الخارج حتى ولو أخرجوك هم، وأنت العاصي حتى ولو لم يتركوا العمل بالموبقات وكأنها دستورهم.

كنا نعتقد أن داء الكلَب يصيب الحيوانات فقط، ولم نكن ندري بأن الله خلقها لنرى العجائب والغرائب فيها، فهي كالمرآة للناظرين، وكنّا نحسب في البداية أن القوم قد أصيبوا بالكلَب، لغلاء الأسعار وانقطاع الآجال، بعدما أصبحت عيشتهم بورتابل وحلاقتهم جوتابل كما قال البرلماني الفكاهي عطاء الله في إحدى شطحاته، قبل أن يصل إلى قبّة رفع الأيدي وحزْم الشكارة.

لكن تعيّن أن من نخاطبهم، من طينة العبيد الذين يأبون الحرية والانعتاق ويأبون الكرامة وحقوق الإنسان، فهم كلابٌ مُدرّبة تحكمها سلاسل وأغلال، نباحهم تسمعه على بعد أميال.

الشمس إذا طلعت وأشرقت وحدثتهم عنها أجابوك بأنها ظلام دامس، والقمر إذ انجلى في ليلة ظلماء، قالوا لك هذا سحر مبين، فهم والحقيقة اثنان، خطّان متوازيان لا يلتقيان مهما امتدا، كما يفتي بذلك أصحاب الرياضيات.

الكلْبُ إذا أردت أن تُخلّصَهُ من بعض الكائنات التي تعشش في رقبته أو تحت أذنيه، نبح، وأراد أن يعُضّكَ، الغريب أنك إن تركته، يلهث، وإن مسكته يلهث، وإذا أردت أن ترويه من العطش بقي يلهث، ومن الطبيعي أنّنا أناس نتأثر من نباح الكلاب، خاصة عندما يعلو أو صهيل الأحمرة كذلك فنرفع أصواتنا لعلّ هذه البهائم تستفيق وتتوقف، وإلا صببنا عليها الماء، لأن الماء فيه نظافة من الأدران والنجاسات، وحتى قيل أنه علاجٌ للكلَب.

نورالدين خبابه
16 نوفمبر 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version