نشأت الدولة الجزائرية على أنقاض الدولة الاستعمارية التي لم تخاف للجزائريين إلا الدمار و الخراب وقلة الحيلة أمام من نصب نفسه وصيا على هذا الشعب الأبي.

ورثت الدولة الجزائرية التقاليد الاستعمارية في معاملة الشعب و إذا كانت بعض السياسات المتبعة قد أثمرت أكلها مثل التعليم و الطب المجاني فإن ما نتج عن هذه السياسات فيما بعد عمق الهوة بين الحاكم و المحكوم.

لا ينكر عاقل إرث الاستعمار كما لا ينكر عاقل أيضا جرأة البعض على تحمل المسؤولية و هم يعلمون أنهم ليسوا بأهل لها كما أن سكوت الشعب خاصة من كان يعرف وزن الرجال و مقدراتهم و وجود من صدق كلامهم كان من بين عوامل استفراد هؤلاء بالجزائر و توريثها لأبنائهم فيما بعد.

تعاني الجزائر اليوم من مجموعة أزمات أهمها أزمة الثقة بين الشعب و النظام الحاكم. و لعل أبرز تجلياتها يتمثل في التعداد السكاني الأخير الذي عمد فيه العديد من أفراد الشعب إلى تقديم معلومات مضللة عن وضعيتهم الاجتماعية. هذه الأزمة لم تأتي من فراغ و إنما من النظرة الاستعلائية التي انتهجها النظام الحاكم خلال فترة حكمه التي دامت 46 سنة من غير وجود لمؤسسات قائمة بذاتها و غير زائلة بزوال الرجال و الحكومات. إضافة إلى سياسة التهميش التي يعيشها أغلب الشعب الجزائري خاصة ذوي الكفاءات منه. كما عدم المعالجة الجدية للملفات العالقة وعدم وجود إستراتيجية عمل طويلة الأمد تجعل من الدولة تقف على شفا جرف هار.

نحاول هنا تقديم بعض ميكانيزمات العمل التي تعزز هيب الدولة من جهة و تبعث الأمل في نفوس أفراد الشعب من جهة ثانية و لن نبدأ بالشق السياسي و سنحاول تجنبه رغم أن السياسي موجود حتى في غرف نومنا.

لعل أول هذه الحلول هو استقلالية القضاء هذا الأخير يجسد قمة الحرية و ضمان الحقوق في الدول الغربية إلا أنه في بلادنا يمثل عاملا من عوامل الظلم و الإقصاء فالداخل إليه مفقود و البعيد عنه مولود و لعل أكبر إشكال يواجهنا هنا هو كيفية ضمان استقلالية القضاء جملة و تفصيلا فكم من قاضي تعرض للاهانة و كم من قاضي لم يجد ما يعيله و رغم بعض الإصلاحات التي أدخلت عليه خاصة في شقها المادي إلى أن ميكانيزمات العمل تبقى غير مستقلة فكيف لقاتل أن ينجو من الإعدام و كيف لمرتش أن ينفد من السجن و كيف و كيف و كيف لسياسي أن يصول و يجول من دون رادع. لقد كره رجال الشرطة عملهم لعدم جدية القضاء في إقرار الأحكام. فهم يرون أنه لا فائدة من إدخال أعوان أمن جدد إلا امتصاص البطالة و هذا عكس ما يدعو إليه تونسي حيث يسعى إلى تجنيد 20000 عون جديد و نشرها في الأحياء الفقيرة و كأن الأغنياء في منأى عن ارتكاب الجرائم أم جرائمهم على فضاعتها لا تخضع للتجريم و العقاب ما هذا الهراء. إذن استقلالية القضاء عن تدخل السلطات الأخرى خاصة التنفيذية و الجدية و السرعة في فض النزاعات و تسوية الملفات كلها عوامل تساعد على استعادة الثقة بين المواطن الو سلطة الحاكمة.

في مقابل هذا لا بد من ضمان حياد الإدارة و ضمان المساواة أمام القانون و شغل الوظائف العامة و تيسير أمور الناس و ليس عرقلتها عن طريق الإجراءات الإدارية المعقدة و هذا ما يتنافى و سياسة تقريب الإدراة من المواطن رغم أن بعض المسؤولين عندنا يحاولون تقريب المواطن من الإدارة و كأنه هو سبب الخلل أو هو من يخدمها و ليس العكس.

من جانب آخر يجب العدل في تطبيق و تنفيذ السياسات التنموية فالجزائر لا تقتصر على العاصمة كما أن المشاريع الموجهة للشباب يجب أن تقدم لهم في وقتها و ليس بعد تكديس الملفات و معالجتها بناء على معطيات غير موضوعية لأنه لا يوجد شاب عمره 50 سنة. فئة الشباب التي همشت إلى أقصى الحدود أصبح همها الهجرة غير الشرعية فإلى متى تبقى الدولة غافلة عن هذه الفئة و عن هذه الطاقة الكامنة و المتجددة.

بالنسبة لإشكالية العمل و البطالة فإنه من الواجب على الدولة أن تسعى لإقامة استثمارات حقيقية تساهم في خلق مناصب عمل منتجة لأن إعادة ترميم الطرق و تشييد الأرصفة ليس بمنصب عمل و إنما هو مشروع وهمي الفائدة منه تهريب أموال الدولة و تبذيرها و ليس ضمان العيش الكريم لأفراد الشعب.

في الأخير ننوه إلى أن الإصلاح المطلوب يكزن بالرجال الأكفاء و ليس بناس لهم للأسف عقلية استعمارية يفتخرون بها و يزكون أنفسهم من خلالها و يعاملون العباد و البلاد بعقلية الكولون و قد ذكر لي أحد أبناء الشهداء عندما رأى أحد الوزراء يضع قبعة على رأسه أن هذا هو زي الذي يرتديه الكولون أثناء الحقبة الاستعمارية فإلى متى هذا الإسفاف و الاحتقار.

نعيم بن محمد
22 جويلية 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version