إن التحديات و الرهانات التي تواجه العالم اليوم خاصة المتخلف منه لا تكمن فقط في الحاجة الملحة إلى المشاركة في مجتمع المعرفة و إنما تكمن أيضا في كيفية التطبيق الفعال و الناجع لتكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و التحكم في كيفيات استخدامها في سبيل تضييق الفجوة التنموية بين الدول المتقدمة و المتخلفة. إن هذه التطلعات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تطوير التعليم عموما و التعليم الجامعي خصوصا.و سنحاول في هذا المقال التطرق إلى التحديات التي تواجه التعليم العالي في الجزائر و إلى المجهودات التي تبذلها الدولة ممثلة في مؤسساتها الرسمية من أجل إعطاء دفعة قوية للتعليم العالي بهدف مواكبة التطورات العالمية من جهة و من جهة أخرى من أجل تطوير و تنمية المجتمع الجزائري و تحقيق قفزة تنموية نوعية تكون بمساهمة أفراد هذا المجتمع.

1. التحديات و الرهانات التي تواجه التعليم العالي في الجزائر

يواجه التعليم العالي في الجزائر مجموعة من التحديات يمكن إجمالها فيما يلي:

أ) الطلب المتزايد على التعليم العالي و تزايد أعداد الطلبة حيث يقدر حاليا ب: 750000 طالب و سيصل إلى أكثر من 1500000 طالب في حدود سنة 2010 في حين يقدر عدد الطلبة الحائزين على شهادة البكالوريا للسنة الدراسية 2005-2006 بأكثر من 220000 طالب و هو أكثر بقليل بالنسبة لبكالوريا 2006-2007، كما أن الهياكل المنجزة غير مواكبة للزيادات العددية للطلبة بحيث في كل سنة جامعية يتأخر موعد الدخول الفعلي بسبب الخدمات الجامعية المتأخرة و ذلك بالرغم من المجهودات المبذولة في سبيل احتضان الأعداد الهائلة للطلبة ( 30 جامعة، 16 مدرسة عليا، 14 مركز جامعي إضافة إلى الأحياء الجامعية و المطاعم و وسائل النقل).

ب) قلة التأطير حيث يقدر عدد الأساتذة المؤطرين للطلبة ب: 25229 أستا دائم أغلبهم برتبة أستاذ مساعد كما أن نسبة كبيرة من أساتذة التعليم العالي (بروفسور) على أبواب التقاعد.

ت) نمطية التكوين المبنية على التلقين بحيث لا تفتح المجال للإبداع و الابتكار الفردي و إن وجد هذا فإنه يبقى محاولات فردية و ليست سياسة تعليمية.

ث) التكوين الكمي على حساب التكوين النوعي و ذلك للتكلفة التي أصبح يتطلبها التعليم الأمر الذي أثقل كاهل الدولة إضافة إلى تغير منظومة القيم المجتمعية بحيث لم يبقى للتعليم نفس المكانة المرموقة التي كان يحظى بها في السابق.

ج) هجرة الكفاءات و عدم بقائها في الداخل للمساهمة في التأطير و تكوين و تنمية البلاد.

ح) البحوث المنجزة هي بحوث من أجل نيل الشهادات و ليست بحوث تنجز بهدف التطبيق العملي لها مما أدى إلى الحد من فعالية البحث العلمي و عدم مساهمته في تفعيل العملية التنموية.

خ) تنامي معدلات البطالة بين خريجي الجامعات.

2. المجهودات المبذولة في سبيل تطوير التعليم العالي

و نتيجة لهذه التحديات تسعى الجزائر جاهدة للتغلب عليها من خلال مجموعة من الإجراءات تتمثل في:

أ) إنشاء الهياكل القاعدية و تجهيزها بما يتلاءم مع الحاجيات التعليمية الجديدة.

ب) تكوين الأساتذة و المؤطرين.

ت) الاستعانة بالخبرات الأجنبية.

ث) إصلاح التعليم العالي بانتهاج نظام أل: آل آم دي.

كل هذا بهدف إصلاح و تطوير التعليم العالي، غير أننا نلاحظ أن هذه المجهودات بالرغم من أهميتها إلا أنها لا تعكس الحاجة الملحة و الحقيقية لتطويره و التي تقوم على أساليب و وسائل و مناهج و أهداف جديدة. و لذلك فإنا نعتقد أن الأسلوب الكلاسيكي للتعليم أصبح غير مجدي حيث تحولت قاعات الدراسة إلى قاعات ستاتيكية و غير ديناميكية من الناحية العلمية (عدم انتباه، كثرة الحديث، النوم، الفوضى، الغيابات الكثيرة و غير المعاقب عليها من الناحية العملية…) الأمر الذي حد من فعالية التكوين.

و على العموم فإنه يمكننا إجمال هذه المجهودات ف الجوانب التالية:

أ) الجانب الإداري و التسييري:

فيما يخص بعصرنة و تحديث التسيير قامت الجامعات الجزائرية بتطوير و تحسين خدماتها من خلال إدخال الوسائل التكنولوجية الحديثة خاصة التكنولوجيات الرقمية في التسيير و الإدارة منها الإعلام الآلي و برامج تسيير الملفات سواء للطلبة أو المستخدمين إضافة إلى إقامة مواقع إلكترونية على شبكات الانترنت للتعريف بإمكاناتها المادية و البشرية، إضافة إلى كل هذا تضع كل جامعة شبكة إلكترونية داخلية (انترانت) للتعريف بها داخل المؤسسة الجامعية من خلال عملية البث المباشر على شاشات التلفزيون. كل هذا بهدف تسهيل الخدمات و اختزال الجهد و الوقت.

ب) الجانب التعليمي ، التكوين و البحث:

سعت كل جامعة إلى إقامة شبكة معلوماتية داخلية و إلى الربط بشبكة الانترنت على مدار 24 ساعة و ذلك لتمكين الأساتذة و الطلبة من تصفح المواقع التي تهمهم كما تمنحهم فرصة الاتصال بالجامعات و المراكز البحثية على المستوى العالمي. من جهة أخرى تقوم الجامعة بتوفير الإمكانات المادية الضرورية و اللازمة للتكوين بهدف جعل التكوين تميز بالطابع التطبيقي أكثر من كونه تكوين نظريا فقط. و يبرز هذا الأسلوب في بعض التخصصات دون الأخرى على رأسها الإعلام الآلي و العلوم الدقيقة و التكنولوجية.

كما تسعى الجزائر إلى إقامة مشروع يعرف بالشبكة الأكاديمية و البحثية و هي شبكة خاصة بالجامعات و المراكز البحثية الموجودة على كافة التراب الوطني الهدف منها هو تطوير خدمات الاتصال و تبادل المعلومات بين هذه لمؤسسات و المراكز البحثية. و تقوم هذه الشبكة بتوفير الوسائل التكنولوجية الضرورية للعاملين في قطاع التعليم العالي و البحث العلمي كما تسهل و تدعم عملية التكون عن بعد. كما يهدف هذا المشروع إلى إقامة الجامعة الافتراضية بصفة دائمة بهدف تشجيع التكوين عن بعد و من دون مغادرة المكان المر الذي يساعد على تبادل الخبرات و زيادة الكفاءات المعرفية للطالب و المؤطر على السواء من خلال تبادل الأفكار و الآراء العليم و مناقشة التطورات الحادثة.

ت) الجانب المادي و المالي:

و يتمثل في توفير الوسائل المادية لتحقيق درجة عالية من الأداء و هذا عن طريق اقتناء أجهزة كمبيوتر جد متطورة مع لوازمها إضافة إلى البرمجيات اللازمة لتشغيلها كما وضعت تحت تصرف الأسرة الجامعية قاعات للطباعة جد متطورة إضافة إلى المبالغ المالية المخصصة لاقتناء اللوازم الضرورية للتكوين و تكوين القائمين على شؤون هذه الإمكانات تشغيلا و صيانة، دون أن ننسى الهياكل القاعدية التي أصبحت تتميز بطابع عمراني خاص.

بمعنى أن الجزائر تسعى جاهدة من أجل توفير الإمكانات الضرورية للتجهيز و التسيير و التكوين و يبرز هذا في المبالغ الهامة التي تخصصها في ميزانيتها السنوية و التكميلية حيث خصصت مثلا ما قيمته 12.4 مليار من ميزانية البحث العلمي المخصصة لدعم برنامج الإنعاش الاقتصادي ما بين 2001 و2004 للقيام بعملية التجهيز بالتكنولوجيات الحديثة خاصة المعدات الالكترونية. كما أن المشروع الخماسي المعد لغاية 2010 سيعتمد على ميزانية قدرها 100 مليار دينار جزائري و سيحظى الجانب التجهيزي منها بجزء معتبر.

نخلص من كل ما تقدم أن الجزائر واعية بضرورة تطوير و تحسين التعليم العالي و جعله يتماشى مع التطورات العالمية الحادثة و التي تمس مختلف جوانب الحياة الإنسانية لذلك نجدها تسعى جاهدة لتحقيق تقدم نوعي و كمي في سبيل تحقيق هذا الهدف. و هي في سعيها لتحقيق ذلك يجب أن لا تغفل مجموعة من الاعتبارات يمكن إجمالها فيما يلي:

أ) استمرار مسؤولية الدولة علن التعليم و تدخلها المباشر في تمويله و مراقبة أبحاثه و توجيهه بما يخدم حاجياتها الاجتماعية مع فسح المجال للديمقراطية في تسيير مؤسساته من جامعات و مراكز بحث.

ب) محاولة تحسينه و جعله تكوينا نوعيا مع شموليته لكافة الفئات الاجتماعية خاصة محدودي الدخل و النساء.

ت) العمل على مرونته بحيث يكون تعليما مستمرا مدى الحياة كما تحاول العمل على توسيع التخصصات و عجم اختزال المعارف العلمية و القدرات الفردية في التكوين الجد متخصص و إنما فتح المجال للتعاون و التبادل المعرفي بين التخصصات المختلفة.

نعيم بن محمد
12 أبريل 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version