أختتم الملتقى الدولي حول الإرهاب و المجتمع المدني في الجزائر البلد الذي عرف هذه الظاهرة مع بداية التسعينات و فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالانتخابات البلدية و الولائية و التشريعية توقيف المسار الديمقراطي باسم حماية الجمهورية من المد الإسلامي الأمر الذي تلاه دخول الجزائر في دوامة من العنف لم يسلم منها أحد.

و إذا كنا لم نستطع الحصول على معلومات كافية حول النقاشات التي دارت في الملتقى إلا أنه يمكننا القول أن مسألة الإرهاب في الجزائر لا يمكن عزلها عن النظام السياسي الحاكم في الجزائر لأنها على العموم كانت عبارة عن صراع بين شرعيتين الشرعية الثورية التي ورثت البلاد باسم الثورة و الشرعية الدينية التي أرادت تحرير المجتمع من الانتهازيين و إعادة توزيع ثورة البلاد بالعدل و المساواة. من جانب آخر فإن هذه الظاهرة تبناها المجتمع في بدايتها و احتضنها و هذا ما لا يمكن لأحد أن يتغافله و ذلك إلى غاية سنة 1995 و هي السنة التي نعتبرها تاريخ نهاية استعمال العنف للوصول إلى السلطة و نهاية الشرعية الدينية المعتمدة كأسلوب في التجنيد. بمعنى أن الإرهاب و ارتباطه بمشروع الدولة الإسلامية انتهى في هذا التاريخ و ما جاء بعده يعتبر أعمال إجرامية ذات أهداف محدودة لا ترقى إلى إسقاط الدولة.
في خضم هذا الصراع أين يتموقع المجتمع المدني؟

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن انتخاب الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم يكن بدافع ديني و إنما كان بدافع الانتقام من نظام غير عادل خاصة و أن الصيرورة التاريخية والاجتماعية للمجتمع الجزائري تسمح بطرح سؤال شاع في ذلك الوقت و هو من أين لك هذا؟ بمعنى ظهور مسألة المحاسبة على السطح و بداية التساؤل عن مصدر الثروات و كيفية تحصيلها.

في خضم كل هذه الأحداث كان المجتمع الجزائري هو الضحية بمعنى أنه استغل من جانب النظام كون هذا الأخير يسعى إلى الحفاظ على وجود الجزائر و حمايتها من قوى الظلامية و القرون الوسطى و في الجانب الآخر استعمال العاطفة الدينية لمحاربة الطاغوت و الحكام الكفار. أي أن المجتمع برمته كان عبارة عن كرة تتقاذف هنا و هناك. هو في كل مرة تختزل طموحاته و تطلعاته حتى أصبح الواحد لا يفكر إلا في كونه سيبقى حيا أو سيفاجئه الموت مع كل خطوة. أما فيما يتعلق بالحركة الجمعوية التي تمثل المجتمع الجزائري و تتحدث باسمه فإنها قامت على أنقاض الكثير من الجثث و هي تعمل على تكريس التفريق و الانشقاق داخل المجتمع أكثر من الوحدة و الألفة لأنها لا تنظر إلى الظاهرة إلا بعين واحدة و هي عين آلامها هي، في حين أن كل الشعب الجزائري قدم الغالي و الثمين خلال هذه العشرية إضافة إلى هذا فإنه لا توجد إحصاءات حقيقية عن المأساة الوطنية و إنما هناك إحصاءات من جانب واحد و هو الجانب المتعلق بالدولة و أعوانها. في حين أن عدد الذين قضوا في الجبال و الغابات لا يستهان به كونهم من أبناء الجزائر أم أن التاريخ يعيد نفسه فيما يخص الأحداث التي وقعت أثناء الثورة التحريرية بين الجبهة و المصاليين.
و لذلك فإن أخذ مسألة مكافحة المجتمع المدني في الجزائر للإرهاب بالمطلق فيه مغالطة تاريخية و عليه من الواجب الأخذ بعين الاعتبار مسألة الصراع بين شرعيتين ثم الانتقال إلى المواجهة كدفاع من قبل المجتمع عن نفسه لما تغيرت أهداف الشرعيتين و وسائلهما و تحول المجتمع الجزائري إلى هدف للتحطيم مما سرع من وتيرة الأحداث فطفت على السطح جماعات تقتات بالمأساة الوطنية و تدعي الخبرة و الدراية.
و إذا كنا من دعاة السلام و من مبغضي الإرهاب و التطرف بكل أشكاله و ألوانه إلا أننا نعتقد أن المسألة في الجزائر ليست بالبساطة التي يتحدث بها البعض و إنما هي مرتبطة بصيرورة تاريخية لازالت بذورها قائمة تتعلق بإقامة العدل في المجتمع أكثر منها مسألة حكم و نظام حكم و أكثر منها مواجهة للمد الإسلامي لأن الذين يعرفون المجتمع الجزائري معرفة جيدة يدركون أن الإسلام متجذر فيه و أنه عامل و حدة وليس تفريق.
نعيم بن محمد
27 مارس 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version