رسالة مفتوحة إلى السيد عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجمهورية

 » كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون  » (88 / 28)

في هذا الشهر المبارك، شهر رمضان المعظم، شهر التوبة والغفران، رأيت من المناسب والبنّاء – وأنا الصديق القديم – أن أبعث إليكم بهذه الرسالة المفتوحة، خالصة لصالح الوطن. فمثلما لا أشك في حبكم الكبير للوطن – ومعرفتي بكم تخولني أن أشهد على ذلك بكل موضوعية – أودّ في المقابل أن تسلموا لي بمشاطرتكم هذا الحب للوطن، كما هو شأن كل مواطن جزائري حر. فباسم هذا القاسم المشترك إذن، أراسلكم بصفتكم رئيسا للجمهورية.

إنّ أصغر سنّ لمجاهدي ثورة التحرير الذين لا يزالون على قيد الحياة، يتراوح اليوم – في نهاية سنة 2007 – ما بين 65 – 70 عاما. وهو سنّ الوقار الذي يتهيأ فيه المرء – خاصة في مجتمعاتنا المسلمة – للمثول أمام بارئه حاملا معه أعماله وأوزاره. إنه الموعد الحق الذي ليس بعده موعد: فإمّـا الخلد في جنة النعيم أو العذاب في نار الجحيم – عـفا الله عنا.

وبما أنّ الأعمال بخواتيمها كما بين ذلك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، فإنّ الأعمال التي يقوم بها العبد في آخر أيامه يكون فيها إما إنقاذه أو خسرانه. والذي أريد قوله هنا هو أنه حتى وإن كنتم – في رأيي الخاص – لم تستطيعوا، خلال ثمان سنوات مضت من سلطة شبه مطلقة، لا ينازعكم فيها أحد، أقول لم تستطيعوا أن تضعوا الجزائر على طريق الديمقراطية والحكم الصالح والعدل، فلا يزال بمقدوركم أن تتداركوا الأمور بعون الله، وتنجزوا في أسابيع، أو في أشهر – أطال الله عمركم – من المهام السياسية والتاريخية الحاسمة التي يكون لها أثر عظيم على مستقبل بلد وشعب عانى الكثير. إنها الانجازات التي تضمن لكم العرفان بالفضل في الدنيا والخلاص في الآخرة.

يُقال أنّ السياسة هي فن الممكن، وأنا أضيف أنها فن الإصلاح: إصلاح الأخطاء والغلطات والإغفال، لما قام به الغير أولما صدر عن النفس. فلا شيء يستحق اللوم أكثر من التمادي في الخطأ، كما يذكرنا به القرآن الكريم:
 » قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا  » (99 / 18)

كما أذكرّكم – وإن كنتم أدرى بذلك – أنّ الدستور يمنحكم قانونيا كل الصلاحيات من أجل القيام بكل الإجراءات الشرعية، أكانت إجراءات مؤسساتية أو سياسية أو إدارية أو قضائية أو اقتصادية أو مالية، ترون فيها مصلحة للبلاد والعباد. وبناء عليه، فأحرى بكم وأجدر، عوضا عن صياغة نص دستوري جديد يمنح سلطات فرعونية لشخصكم أو لمن يليكم على رأس الدولة – عاجلا أم آجلا- أقول، فإنه أحرى بكم وأعدل وأعجل – بعد قرابة نصف قرن من الاستقلال – أن تؤدّوا الأمانة، وتردوا إلى الشعب الجزائري الكريم حريته المشروعة في تقرير مصيره بكل سيادة، وذلك بإرساء مؤسسات ديمقراطية حقيقية  » تتجاوز الأشخاص….  » كما عقدتم عليه العهد – أنتم ورفقاؤكم – في 19 جوان 1965. فلِمَ لا تغـتـنمون الفرصة الربانية التي أتيحت لكم – كونكم رئيسا للدولة – من أجل الدخول في التاريخ من بوابته العريضة، عوض الزج بنفسكم في متاهات النزاعات الدنيئة بين مختلف فصائل طبقة سياسية لا جذور لها في المجتمع طالما أنها وليدة النظام السياسي، فضلا على تعفـنها السافر وفقدان مصداقيتها كليا، لكونها برهنت على كل المستويات عن عدم كفاءتها وفساد أخلاقها وانعدام حسها المدني. تلك الطبقة السياسية التي من واجبكم – تجاه الله وتجاه الأمة – تجديدها عن طريق سياسة حازمة وجريئة.

إنّ الجزائر تزخر بآلاف الجامعيين والإطارات ذات الكفاءة العالية من أطباء ومهندسين وقانونيين واقتصاديين وباحثين متفوقين في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية، معظمهم يعانون من التهميش وقلة الاعتبار وبخس الراتب، إن لم يضطروا إلى الهجرة أين تستفيد من قدراتهم دول أخرى، بينما تسيطر جمهرة من أشباه الأميين والانتهازيين على كل المستويات في مجتمع طغى فيه منطق المال والفساد والجهل وانعدام الوطنية، على المعالم والقيم التقليدية من أخلاق وثقافة وحب للوطن، إلى درجة أنّ مجتمعنا الذي تمكّن طيلة قرن ونصف القرن من مقاومة حملات المسخ الثقافي والاندماج وحتى التنصير، يجد نفسه اليوم – في غياب سلطة عمومية قوية وذات مصداقية -، عُرضة للخطابات التدميرية التي تنتهجها أصوليتان دخيلتان على مجتمعنا وهما، من جهة، أصولية الإسلام السياسي المغامر أو الانتهازي – حسب الحالات – الذي تم اختراقه واستعماله بطرق إجرامية كما حدث في العشرية السوداء، ومن جهة أخرى أصولية العمالة الجديدة التي يتبجح بعض دعاتها علنا بخدمة مصالح الغرب اليهودي-المسيحي، بل مصالح الصهيونية، فضلا عن القيام بالتبشير ب »الديانات » الجديدة: أي اللائكية حينا وبالعصرنة حينا آخر، مخولين لأنفسهم التطاول على مقدسات وقيم الأمة، بل حتى التآمر ضد وحدة هـذه الأمة في الداخل وفي الخارج.

لقد حان الوقت، سيادة الرئيس، للتصدي لذلك، بمنح الشعب فرصة التعبير بقوة وعن طريق صندوق الاقتراع عن هويته العميقة التيقة، والصراخ بها في وجه العالم كافة وخاصة في وجه تلكم الشراذم المرتزقة الذين انسلخوا عن مجتمعهم ويريدون أن يفرضوا بالقوة، ردتهم الحضارية على شعب بكامله، باسم « حداثة » مزيفة، تصب كلها في صالح « عولمة الهيمنة للأقوياء »

وفيما يلي – وعلى سبيل المثال لا الحصر – بعض الإجراءات العاجلة التي يمكن القيام بها:

1) حل المجلس الشعبي الوطني؛
2) تجميد كل الأحزاب السياسية، بما فيها حزب جبهة التحرير الوطني إلى إشعار آخر؛
3) الإعلان عن وإنشاء لجنة إنقاذ وطني تحت رعايتكم المباشرة، تتشكل من شخصيات نزيهة مدنية وعسكرية من قانونيين أكفاء وخبراء. تتكون هذه اللجنة من حوالي عشرين عضوا كأقصى حد، ويفسح فيها مجال واسع للجيل الذي سيحمل المشعل في المستقبل. وتقومون شخصيا بتسيير هذه اللجنة، مستعينين في ذلك بنائب رئيس يخوّل بكل صلاحيات الرئيس. وستكون لجنة الإنقاذ الوطني مؤتمنة على السيادة الوطنية التي يتم إرجاعها إلى المجلس الوطني التأسيسي فور إقراره. كما تقوم لجنة الإنقاذ الوطني بالتشريع عن طريق الأوامر التي تصدرونها شخصيا إلى حين دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ؛
4) تعيين حكومة إنقاذ وطني مكونة من خبراء معروفين بالنزاهة والكفاءة، تقوم بتسيير شؤون البلاد، وعلى الخصوص بتحضير وتنظيم الانتخابات؛
5) تحديد جدول زمني دقيق لعمل الحكومة لمدة أقصاها سنتان تُتوّج بتنظيم انتخابات وطنية من أجل إرساء مجلس تأسيسي يعبّر بحق عن الإرادة الشعبية ويُكلّف بتزويد البلاد بدستور يعمل على إقامة دولة « ديمقراطية، اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية  » كما نص على ذلك بيان أول نوفمبر 1954.

إنّ رغبتي الآنية هي أن تقوموا بكل ما هو بمقدوركم من أجل تجنيب هذا البلد الجريح التعثر أكثر في مطبة أقلية نافذة تتربص الفرص. أقلية تفتقد إلى أدنى ذرة من الضمير وليس لها اليوم من إله سوى نفسها، والمال والسلطة من أجل السلطة. أمّـا أملي الأخير فهو أن تتجاوبوا مع هذه الرسالة، متحاشين مساءلتكم عنها غدا حين نقف كلانا، أمام أحكم الحاكمين، الحق سبحانه وتعالى.

أخوكم في الله وصديقكم القديم: عبد القادر الذهبي
14 سبتمبر 2007

 

1 2

Comments are closed.

Exit mobile version