المولود الأخير للزوجين المكتهلين، الولايات المتحدة  وأوربا، ذلك الطفل المدلل، المتروك بلا رقابة، هو الآن بصدد جر أبويه إلى مواجهة شاملة. والنزوة الأخيرة التي ألمت به تتمثل في إغراق المنطقة في النار والدماء بسبب أن اثنين من جيرانه قد تحدياه: ألم تبلغ بهما الجرأة مبلغها حتى أخذا منه ثلاثة سجناء…. بينما أخذ هو  منهما فقط ما يزيد على تسعة آلاف سجيناً!

إن التذكير بآخر حلقات هذا الانجراف– ألا وهي الاعتداء على قطاع غزة- يسمح لنا بأن نفهم لماذا يزداد عدد المتفرجين على هذا "المونديال" ممن يتساءلون عن أساليب "فريقٍ" لا يخضع لأي نوع من العقوبات، وانتهي به الأمر إلى أن يصبح في "حالة تسلل" صارخة.

الاستعدادات الأمنية: لم يتردد المسؤولون الإسرائيليون- من أجل فصل مشجعي الفريقين- في بناء حاجز أمني على طول عدة مئات من الكيلومترات وبارتفاع ستة أمتار! وبصورة أكثر حدة من مبدأ بناء الحاجز الأمني نفسه، فإن خط سيرالحاجز هو الذي يثير الإشكالية: فخط السير يسمح في الحقيقة للفريق الإسرائيلي بالاستيلاء على جزء مهم من المدرجات الفلسطينية. علاوة على ذلك، فإنه يقطع معسكر المشجعين الفلسطينين إلى نصفين، ويمنع مشجعي غزة من المجئ لدعم أخوتهم في الضفة والعكس صحيح.

اختيار اللعيبة: صوت الجمهور في الجانبين لاختيار كل منهما لفريقه. بيد أن اختيار الجمهور الإسرائيلي لم يكن يوما مثار اعتراضات، حتى حين يحدث، بشكل منتظم، اختيار لاعبين ملتحين. غير أن هيئات المونديال الغربية والجهات الأوربية الراعية – بعد أن شجعت، في ظل جلبة شديدة، التجديدَ لفريقٍ فلسطيني لطالما عُرِف بفساده –  قررت مقاطعة الأعضاء الفلسطينين المنتخبين بحجة أن اختيار الجمهور لهم لا يروق لتلك الهيئات والجهات.

تكتيك الفريقين: تشهد الإحصاءات والكاميرات  بتكتيك كلٍّ من الفريقين. وتقوم استراتيجية الفريق الفلسطيني في الأساس على الدفاع، وإن كان يتم على الدوام تضخيم قدراته الهجومية. فالمباراة إنما تدور على أرضه، بل داخل "منطقة الجزاء" الخاصة به، حيث من الملاحظ أن العشب يجد صعوبة متزايدة في النمو. وفيما يشدد "فريق الدفاع عن إسرائيل" على توجهه الدفاعي، فهو يسعى، ومنذ ما يقرب من 40 عاماً، لاحتلال أكبر مساحة ممكنة من الميدان. فما أن يدخل لاعبوه بالقوة في معسكر الفريق المنافس حتى يعمد على زرعهم هناك بصورة دائمة بالرغم من القواعد الصريحة التي وضعتها هيئة المونديال المتحدة.

الطقس أثناء المباراة: بالرغم من أن درجة الحرارة تبلغ 40 درجة في الظل، فإن التفوق التقني الواضح للفريق الإسرائيلي جعله لا يتورع عن قطع الإمداد الكهربائي داخل غرف لبس الفريق الفلسطيني.

تموين اللاعبين: يجري تعليق تموين اللعيبة الفلسطينين براً عبر مصر بإغلاق حدودها، بعد أن صار التموين مستحيلا أيضاً بحراً وجواً: فمنذ المراحل الأولية للمباراة، عمد الفريق الإسرائيلي إلى تدمير مينائي الفريق المنافس البحري والجوي. وهو يصادر الآن العائدات الجمركية من منتجات الفريق الفلسطيني المضطر إلى التصدير بالمرور عبر إسرائيل. 

التحكيم: موقف ممثلي هيئة المونديال المتحدة وهيئة المونديال الأوربية، الموجودين في ساحة اللقاء، لا يكف عن إثارة الدهشة: إن أنظارهم موجهة إلى جهة واحدة فقط من المنصة الرسمية؛ إنهم، بكل بساطة، يديرون ظهورهم إلى الميدان.

اللاعبون الاحتياطيون: المتقدمون لدعم الفريق الفلسطيني، والمعروفون "بالمجاهدين" هم موضع عداء منتظم من قبل بلدانهم الأصلية ومن هيئة المونديال المتحدة وهيئات المونديال الإقليمية التي تجتهد بكل الوسائل في منعهم من الوصول إلى ميدان اللعب. أما الشركاء الدوليون للفريق الإسرائيلي فهم يتمتعون بوضع أكثر تميزاً: فأولئك "الاحتياطيون التساحال المزدوجو الجنسية" يمكنهم أن يتدفقوا من جميع أنحاء العالم دون أن تعترضهم أي عقبات!

المهاجمون: لكي يضمن الفريق الإسرائيلي ضبط إيقاع ضرباته ودقتها المرعبة، فإنه يمتلك الوسائل اللازمة لتحريك "مهاجميه" جواً وبحراً وبراً. ولكي يحافظ الفريق الفلسطيني – الذي لا تتوفر لديه سوى "مدفعية" محلية الصنع وبالية – على الحد الأدنى من إمكانية الحركة، فإنه مجبر على حفر أنفاق يعبر من خلالها.

الخدمات الإعلامية: بفضل إمكانيات الجهات الراعية للفريق الإسرائيلي ومكتشفاته المبدعة (مثل عمله على توزيع "شورتات خبراء" على أكثر مشجعي الفريق تشنجاً)، فإن الفريق الإسرائيلي يختار الصحفيين المصرح لهم بنقل ونشر إنجازاته بعناية تماثل العناية في اختيار لاعبيه أنفسهم، ويتأكد من ضمان احتكار بث المباراة على الهواء!

وباستثناء بعض القنوات الإقليمية التي تبث برامجها بلغة غير مفهومة إلى معظم أفراد الجمهور العالمي، فإنه لا يتوفر للفريق الفلسطيني إلا بعض الوسائط الإعلامية الهامشية. لا شك إن مشجعيه الإقليميين كثيرو العدد ومتحمسون. لكنهم يخضعون لتنظيم سيء جداً من قبل قادة محليون هم في الغالب فاسدون. وهناك حالات تواطئ مع المسؤولين الإسرائيليين يتم الكشف عنها: قد تكون حالات التواطئ هذه نتيجة للضغوط المالية التي تمارسها الهيئة الأمريكية القوية.

آمال مشجعي الفريق الفلسطيني:

إن معنويات اللاعبين الفلسطينيين، الذين يلعبون "في أرضهم" تبقى أعلى من معنويات لاعبي الفريق الإسرائيلي، الذين يلعبون "خارج أرضهم". علاوة على ذلك،  بدأت تظهر، لدى مشجعي الفريق الإسرائيلي، بعض مظاهر الملل: فحالات "السقوط الحر" على طريقة كرستيان رونالدو، واللجوء المتكرر "للنشل باليد" على طريقة مارادونا، والتعليقات المبتورة لإدارة الإعلام الرسمي، وحالات المنع التي تطال بصورة متزايدة المشجعين الأجانب الراغبين في الجلوس في المدرجات الفلسطينية…باختصار كل "الطرق المختصرة"، المثيرة للريبة، التي يلجأ إليها الفريق الإسرائيلي، قد أدت إلى تعالي أصوات الاستهجان حتى في المنصات الرسمية.

هل يعي أعضاء النادي المرموق لـ "مشجعي قانونية اللعب الدولي" كلفة صمتهم المحزن؟ وهل يدركون، مع عدم قدرتهم على إلزام أحد فرقهم بإحترام القواعد الأساسية، بأنهم بصدد إفقار مؤسستهم العجوز من كل مصداقية؟ وهل يدركون أن فريقهم نفسه هو الذي سيدفع يوماً، لا محالة، ثمن "قانون الغاب" الشرير الذي يسمحون له بتطبيقه بدون أن يخضع لأي عقاب؟

بقلم: فرانسوا بورغا

ترجمة: الريح عبد القادر

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version