حول حادثة الاعتداء على معلمات برج باجي مختار ولاية أدرار

الدكتورالطيب برغوث

الفجائع تتوالى وتتراكم: 

أبلغني مساء اليوم 20 ماي 2021 أخي البروفيسور نور الدين جفافلة (أستاذ بجامعة أم البواقي)، بالحادثة المروعة التي وقعت للمعلمات في برج باجي مختار، وتأسفت بل وتألمت كثيرا لأنني لم أسمع بالحادث في وقته لإنشغالي الشديد هذه المدة، وانقطاعي عن وسائل التواصل الاجتماعي والاعلامي عامة، وقد صعقت بما حدث عندما اطلعت على وقائع الحادثة المروعة، وشعرت بالغثيان والرغبة في التقيأ، وسيطر على ذهني وشعوري السؤال الطبيعي الذي يطرحه كل إنسان على نفسه في مثل هذه الحالات، ناهيك أن يكون هذا الإنسان مسلما سويا وجزائريا أبيا تحتل عنده المرأة مكانة غير عادية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالاعتداء عليها وعلى شرفها، وتتم حقرتها من قبل الرجال، إن ذلك يمثل أحط دركات الكفر الأخلاقي والاجتماعي المقيت! 

 الأسئلة الكبرى المطروحة على المجتمع ونخبه: 

لماذا وكيف أقدم هؤلاء على مثل هذا الفعل الشنيع المقرف المقزز؟ ولماذا يقدم غيرهم في ساحات أخرى على أفعال شنيعة أخرى في حق المرأة عامة والمستضعفة منها خاصة؟ كيف يمكن أن تهان المرأة عامة، والمرأة المعلمة الأم خاصة، وهي التي لها في نفوسنا وعقولنا وثقافتنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا وسيكولوجيتنا ومخيالنا وديننا.. كل هذه المكانة المرموقة؟ كيف يمكن أن يعتدى على المرأة المعلمة، وكذا المحامية أو الطبيبة أو العاملة في البيت أو خارجه..؟ هل هذا معقول وممكن؟ هل نحن أمام فعل معزول؟ أم أننا أمام مؤشر على تغير وتدهور كبير في منظومتنا الفكرية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية، يقتضي منا إعلان حالة النفير الفكري والنفسي والأخلاقي والاجتماعي والقانوني والسياسي الأقصى قبل فوات الأوان؟ 

 المعلمة أم ثانية: 

 إن المعلمة وخاصة عندما تكون معلمة رسالية، وجل معلماتنا رساليات بإذن الله تعالى، هي الأم الثانية لكل واحد منا، ولها دور لا يقل أهمية عن دور الأم البيولوجية، بل يفوقه فيما يتعلق بجزء جوهري من شخصيتنا وحياتنا، لأنها تمنحنا الولادة المعرفية والثقافية التي بها نرتقي في الإنسانية، وبها تتشكل شخصيتنا الحقيقية في المجتمع، ويتحدد دورنا وفعاليتنا فيه، بحكم احتضانها التربوي لنا فترة طويلة، في أهم مرحلة من مراحل حياتنا، وهي مرحلة الطفولة والشباب التي تغرس فيها ثوابت بناء شخصيتنا، وتحديد اتجاهاتنا في الحياة.

 المعلم أب ثاني: 

 وكذا المعلم وخاصة عندما يكون رساليا، وجل معلمينا رساليين بإذن الله تعالى، فهو الأب الثاني لكل واحد منا، وتأثيره في بناء شخصيتنا، وصياغة حياتنا، لا يقل أهمية عن دور الأب البيولوجي، بل يفوقه في جوانب مهمة كثيرة من هذه الحياة، لأنه يلقننا ويعلمنا قواعد الحياة، ويصنع منا رجالا ونساء رساليين، بحكم احتضانه التربوي لنا فترة طويلة، في أهم مرحلة من مراحل حياتنا، وهي مرحلة الطفولة والشباب التي تغرس فيها ثوابت بناء شخصيتنا وتحديد اتجاهاتنا في الحياة كذلك.

 النظرة السننية المتكاملة في الظواهر:

  إن النظرة السننية المتكاملة في الظواهر والأحداث، تدعونا إلى مد أنظارنا إلى ما وراءها من مؤثرات وأسباب وسنن فاعلة فيها، حتى نعالجها من جذورها، فالانحرافات لا تأتي من فراغ، وأن لا نمعن في معالجة الأعراض، وأن لا ندمن في منطق المسكنات البوليتيكية المضللة، أو نمر على الظواهر مرورا عابرا، ونعطي الفرصة للانحرافات والأمراض لكي تستفحل ويستعصي علاجها علينا أو على من يأتي بعدنا! دون أن نحس بما ارتكبناه من جرم في حقهم، بل وفي حق أنفسنا بالدرجة الأولى! لأن الوعي السنني الحقيقي يعلمنا بأن من يعمل مثقال ذرة من خير أو شر يراه، ويحاسب عليه، ويأخذه حقه فيه، أو يدفع ثمنه في الدنيا والآخرة معا! إمضاء لعدالة الله تعالى في خلقه، وسننه القاسطة فيهم.

 النظرة السننية تقودنا إلى الفهم الصحيح لنواقصنا: 

وعندما نسلك المنطق السنني الشمولي التكاملي المتوازن، في النظرة إلى الظواهر والأحداث والتحولات والمآلات الكثيرة الكبيرة التي عشناها ونعيشها وسنعيشها، ومنها هذه الحادثة الفضيعة التي حدث لأمهات أجيالنا في برج باجي مختار، فسنجد بأن في عمقها مؤشرات حقيقية عن الاختلالات البنيوية التي تعاني منها منظومتنا الفكرية والثقافية والنفسية والسلوكية والاجتماعية والسياسية والقانونية والإعلامية والعلاقاتية.. التي لم تعد لها الفعالية والكفاءة والقدرة التأثيرية التربوية والضبطبة المطلوبة، بالرغم مما توحي به على المستوى المظهري الخارجي الشكلي من جاذبية وهيبة، ولكنها في الحقيقة هي جاذبية وهيبة فيها الكثير من السرابية التي إذا جئتها لم تجدها شيئا، ووجدت نفسك أمام الحقيقة العريانة التي تحس معها بالإحباط والأسى والحزن، بل والخديعة! أي خديعة النفس وخديعة الآخرين!

قساوة الخديعة المزدوجة:

 وأقسى أنواع الخديعة هي الخديعة المزدوجة، أي خديعة النفس و الآخرين! لأن ثمنها الباهض مضاعف التكاليف، فهو يخص دفع ثمن حقوق النفس وحقوق الناس وحقوق المجتمع والدولة، وربما حقوق الأمة والإنسانية، إذا كانت مضاعفات الخديعة متعدية إلى هذه الدوائر كلها.

وقديما عبر شاعرنا الكبير ابن رشيق القيرواني، عن هذه الألوان من الخديعة النفسية والاجتماعية والسياسية، وهو يصف واقع دول الطوائف البعبعية المتناحرة، تحت ألقاب وشعارات كبيرة ضخمة فارغة كاذبة، تلاشت وتساقطت كلها كأوراق، وأفضت في نهاية المطاف إلى طي صفحة من أرض وتاريخ الأمة الإسلامية في الأندلس، فقال:

مما يزهدني في أرض أندلس … أسماء معتمد فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها … كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

 الحاجة الملحة إلى مواجهة الخديعة المزدوجة:

  إن هذه الظواهر والأحداث والتحولات والمآلات، التي فيها الكثير من الفواجع والمواجع، بل والمخازي والمهالك، في تاريخنا وحاضرنا، تدعونا بإلحاح، بل وتستصرخنا منذ زمن بعيد، إلى طرح الأسئلة الجذرية الجادة عن أسباب ذلك كله، وإلى إجراء المراجعات الجذرية الجادة الشاملة لحياتنا، وإلى إحداث التغييرات والإصلاحات الجذرية الجادة الشاملة، التي تمكننا من تجاوز الاختلال والضعف والنقص في منظومتنا الفكرية والثقافية، ومنظومتنا النفسية والروحية والسلوكية، ومنظومتنا الاجتماعية والسياسية.. لأنه بدون ذلك، تتجذر النواقص ويتسع نطاقها في كل هذه المنظومات الحيوية، وتتحول مع مرور الوقت إلى عفن وبائي مهلك، يسلب الكثير من الأصالة والفعالية والخيرية والبركة والرحمة من هذه المنظومات، ويصيبها بنوع من الشلل، بحيث يرى الناس أشكالا ورسوما براقة، ومظاهر مغرية، ويسمعون جعجعة تصم الآذان، ولا يرون لها طحينا كما يقال! وكأن الأفراد والمؤسسات والمجتمع يتراوحون في المكان أو يدورون حول أنفسهم، ولا يمضون إلى الأمام على طريق النهضة المنشودة، وتلك محنة المجتمعات الحقيقية، أن تعتقد بأنها تتحرك إلى الأمام، وهي تدور حول نفسها، أو تتحرك إلى الخلف! 

 مجتمعات النهضة ومجتمعات التخلف: 

 فالمجتمعات التي تستغرق عشرات السنين، بل قرنا أو قرنين.. في محاولة النهضة، وتستنزف ميزانيات حضارية كاملة، ولا تحقق من نهضتها شيئا ذا قيمة، وتعيش تحت رحمة خصومها تتسول منهم شروط بقائها على قيد الحياة، ثم تعتبر نفسها في حالة عادية، بل وربما في حالة نهضة!! ولا تطرح على نفسها أسئلة النهضة الجادة، ولا تحاسب نفسها، ولا تقوم اعوجاجاتها، مجتمعات بليدة متفككة متخلفة، بل هي ليست مجتمعات حقيقية، وإنما هي تجمعات بشرية تعيش ما قبل مرحلة المجتمعات الحقيقية، لأن المجتمع يكتسب صفة المجتمع الحقيقية، عندما تتبلو رؤيته لقضية نهضته الحضارية، وتنشحذ شبكة علاقاته الاجتماعية، وتمنحه فعالية ثقافية واجتماعية متكاملة، يدخل بها في مسار نهضة حضارية حقيقية مؤثرة فيه وفي محيطه الإقليمي أو العالمي، ولذلك يعجبني تصنيف المجتمعات إلى مجتمعات ما قبل النهضة الحضارية، ومجتمعات النهضة الحضارية، ومجتمعات ما بعد النهضة الحضارية، لأن مجتمع النهضة هو وحده المجتمع المؤثر في حركة التاريخ، أما غيره فهي مجتمعات متأثرة وغثائية ومهدورة الطاقة والكرامة! أو مركوبة بتعبير العلامة مولود قاسم رحمه الله.

 المداهنة لا تخدم المجتمعات والدول:

 وأعتذر لمن لا تروق له هذه الشدة في النظرة إلى وضعنا ووضع جل المجتمعات الإسلامية، ويعتبرها نظرة تشاؤمية، مع أن النظرة الموضوعية الصادقة إلى الذات، والبعد عن التزييف والغش والتدليس على النفس والمجتمع، هي ما ينبغي، إن لم يجب على نخبة المجتمع، أن تتبناها، وتجاهر بها، وتدافع عنها، حتى ولو كلفها ذلك ما كلفها، وقد سبق لي أن أوردت في مقالة سالفة، مقولة ذهبية للإمام الحسن البضري رحمه الله، إعتبرتها من عيون فقه سنن النهضة وشروطها، في هذا المجال، جاء فيها ” لأنتصحب أقواماً يخوفونك حتى تبلغ المأمن، خير لك من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى تبلغ المخاوف “. 

فالمداهنة والمنافقة والمخادعة.. أدواء قاتلة للأفراد والمؤسسات والدول والمجتمعات، يجب أن تتخلص منها هذه المجتمعات بكل وسيلة، إذا أرادت فعلا أن تنهض وتحرر لنفسها موقعا يليق بها في محيطها وفي العالم، وتقي نفسها من مهالك الضعف والتخلف والتبعية والغثائية الحضارية المنهكة والمهلكة. 

 النذارة الاستراتيجية وظيفة النخب الرسالية:

 وما أروع ما ذكره القرآن الكريم في وظيفة النخب الرسالية في المجتمعات، وما ركز عليه في هذه الوظيفة الحيوية، عندما أكد على مهمة النذارة الاستراتيجية المبكرة والمرافقة والمستدرِكة، وعدم التهاون في ذلك، وعدم تأخير البيان عن وقت الحاجة كما يقال، حتى لا تستشري الاختلالات والمفاسد والضعف والعفونة والعجز، في المنظومات الفكرية والنفسية والثقافية والروحية والسلوكية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات، ويصعب عليها علاجها، فتستسلم لقدرها، وتطحنها رحى سنن الله الغالبة في خلقه. قال تعالى: ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )[التوبة : 122].

فالنذارة المبكرة والتنبيه على الأخطاء والأخطار المتوقعة أو الحاصلة، هي من ألزم واجبات النخب، وإلا كيف يصدق عليها وصف النخب إذا لم تكن لديها البصيرة الاستشرافية، وحاسة المبادرة إلى النذارة المبكرة، وإنارة مشاعل الوعي أمام الناس، وخاصة منهم ذوي المسئوليات المؤثرة في المجتمع والدولة؟ 

 مسؤولية المنظورات الجزئية المتنافرة: 

 ومن هذه المنطلقات فإنني ومن خلال تتبعي لأوضاع مجتمعنا خاصة وأوضاع المجتمعات الإسلامية عامة، أقول بأن كل إناء بما فيه ينضح، وأن فاقد الشيئ لا يعطيه، و ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )، فنحن نجني ما زرعناه ووطناه في منظوماتنا الفكرية والثقافية والنفسية والروحية والسلوكية والاجتماعية والسياسية، من اختلالات ومفاسد ومظالم وضعف وتيه، عن قصد حينا، وعن جهل وغفلة ولا مبالاة ومناقضة لسنن الله في خلقه أحيانا أخرى، حالت دون بناء مجتمعات النهضة، وأبقتنا في مرحلة أو حالة المجتمعات العسيرة الميلاد!  

 إن منظوماتنا الفكرية والثقافية والنفسية والروحية والسلوكية والاجتماعية والسياسية.. تعاني من تنافرية واهتلاكية ذاتية على مستوى كل منظومة منها على حدة، وعلى مستوى العلاقات التكاملية فيما بينها جميعا، ولا يمكن أن تتكامل فيما بينها كما هو مطلوب منها، لأنها محكومة ومؤطَّرة بمنظورات سننية جزئية متنافرة، والجزئي والمتنافر لا يمكن أن ينضبط ويتكامل إلا في ضوء مؤطرات مرجعية أشمل وأكثر تكاملية وتوازنا منه، وهو ما لا يتوفر في السقف الفكرية والثقافية والسياسية القائمة.

 المخرج الآمن من هنا:

 والسقف المرجعي الأكثر شمولية وتكاملية وتوازنا، وقدرة على تسليط الأضواء على الاختلالات والمفاسد والنواقص في حياتنا، والأخذ بأيدينا نحو المخارج الحقيقية الجدية الآمنة، هو منظور السننية الشاملة، لأنه المنظور الذي يرسخ في وعينا سلطان السنن الإلهية الغلابة أولا، ويحمِلنا على احترام حجيتها وسلطتها المرجعية طوعا أو كرها ثانيا، ويعلمنا بأن هذه السنن موزعة على أربع ساحات أو منظومات سننية كونية، هي سنن الله في الأفاق، وسننه في الأنفس والهداية والتأييد ثالثا، وأن هذه السنن متكاملة وظيفيا أو تسخيريا مع بعضها البعض، ولا يغني بعضها عن بعض، أو يحل محله خامسا، وأن الفعل الإنساني مهما كان نوعه أو حجمه، يكون دائما في حاجة إلى معطيات ضرورية أو حاجية أو تحسينية، من كل ساحة أو منظومة من هذه الساحات أو المنظومات السننية الكونية الكلية الأربع الكبرى، لكي يستكمل أصالته وفعاليته وتكامليته وتوازنه سادسا، ويخرج إلى حيز الوجود الفعلي في كامل خيريته وبركته ورحمته العامة سابعا.

 أما ما عداه من المنظورات السننية الجزئية، فإنها لا تستطيع منح الإنسان ذلك، مهما كانت فعاليتها الجزئية في المجال الذي تغطيه، لأن العبرة في التغيير والإصلاح والتجديد والنهضة، هو بالفعالية الشمولية التكاملية المتوازنة، وليس بالفعالية الجزئية التنافرية المنهكة، وهذا لا يعطيه للأفراد والمؤسسات والدول والمجتمعات والأمم والحضارات، إلا منظور السننية الشاملة، 

 هذا ما يعطيه لنا منظور السننية الشاملة من فعالية وتكاملية وتوازن، وهذا ما يمد به حياتنا من خيرية وبركة ورحمة عامة، عندما ننفتح عليه، ونستوعب خريطته الكلية، ونستفيد من كل معطياتها السننية، ونقيم أو نبني عليها منظوماتنا الفكرية والعقدية والنفسية والروحية والثقافية والسلوكية والاجتماعية والسياسية والحضارية عامة.  

 إن المخرج من هذه الاختلالات الهيكلية، يكمن في الوعي بمنظور السننية الشاملة، والاستفادة منه في فهم وإدارة حركة الحياة، لأن الاختلالات الهيكلية لا تنفع معها فعالية المنظورات الجزئية المنعزلة عن بعضها البعض، والتي تحكم حياتنا كمسلمين وكبشر عامة، وتقودها إلى المزيد من التنافرية والإهتلاكية والضنكية مع الأسف الشديد، وليس لها من حل أو مخرج سوى بناء الوعي بمنظور السننية الشاملة الذي يوازن ويكامل بين كل هذه الأشكال من الفعالية الجزئية التي تعطيها لنا المنظورات الجزئية أو بعضها.

 أخي العزيز البروفيسور نور الدين جفافلة حفظه الله، هذا هو الطريق الصحيح المتاح لنا ولمجتمعنا لمواجهة هذه الاختلالات والمفاسد والمظالم والفجائع والمهالك، التي تخترق وتستوطن جل منظومات حياتنا، وتنخرها نخرا عميقا، وتسلب منها شحنات معتبرة من خيريتها وبركتها ورحمتها العامة، وما عدا هذا فهو استمرار في الهروب إلى الأمام، وإمعان في الغرق في دوامات التجزيئية والتنافرية، وأوحال الاختلالات والمفاسد والمظالم المنهكة والمهلكة. فلنختار بين الطريقين والمنهجين والمآلين، ولكل وجهة هو موليها، ومآلات دنيوية يفضي إليها موقفه وخياره، ثم إلى ربكم مرجعكم لتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، لأن يداه أوكتا وفاه نفخ، كما يقول المثل.

مسئولية النخب الرسالية:

 وكما لا يخفى عليكم أخي سي نور الدين، فإن المسئولية الكبرى في تمكين المجتمع من الاستفادة من منظور السننية الشاملة، في مواجهة وتجاوز هذه الاختلالات والمفاسد والمظالم والفواجع والمهالك، تقع على عاتق النخب المجتمعية عامة، والرسالية منها خاصة، فإذا تقاعست عن القيام بواجبها في بناء الوعي بمنظور السننية الشاملة لدى أجيال المجتمع والأمة، واستمرت في الدوران في دوامات المنظورات التجزيئية المتنافرة المنهكة، فإن مسئوليتها عظيمة، أمام الله تعالى وأمام التاريخ، ويخشى عليها أن تتهم بخيانة أمانة ومسئولية النصيحة للمجتمع والأمة.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version