عبد الحميد شريف – بروفيسور في الهندسة المدنية

وَيْكأنَّ التحامل المستمر على الإسلام باسم حقوق المرأة يُحرِج بعض المسلمين ! وشعورا بواجب الدفاع عن دينهم يلجأ هؤلاء إلى اجتهاد مُوَجًّه يكاد يُوصَف بفقه المجاملة، مع أن ما يضايقهم ويرونه نقطة ضعف لتركيز أعداء الإسلام عليه، هو في حقيقة الأمر من مواقع القوة التي ينفرد بها القرآن في آيات مُحْكمة ويجعل العديد من العقول المتنورة تعتنق الإسلام.

هذا ما استنتجته، بل ما لم أتمكن تفاد استخلاصه والتعجب منه، لما قرأت بعض التعليقات حول مقالي في الجريدة الإلكترونية TSA (Tout Sur l’Algérie)

المجتهدون الجدد

قبل حوالي ثلاثة أسابيع (بمناسبة عيد المرأة العالمي) أعدت نشر مقال لي باللغة الفرنسية كنت نشرته قبل ثلاث سنوات للرد على الترويجات المغرضة لبعض النخب حول المرأة المسلمة التي يرونها مُضطهدة ومُختزلة كنصف الرجل، مؤَوِّلين بُهتانا متشابهاتي “نصف ميراث الذكر” و”نصف شهادة الرجل”. المقال طويل (1) لا يمكن التطرق لمحتواه هنا، وقد يكون جديرا بأن يُترجم إلى العربية. لدِيَّ بعض الخبرة في الجدال الفكري مع النخب المُفرنسة لأني ببساطة منهم، ولكني تفاجأت هذه المرة بإطلالة نخبة جديدة، هي غيورة على دينها ولكن بأسلوب خاص. من المُرجح أن هؤلاء من الجيل الجديد وهم لم يقذفوني بالأصولية أو الإسلاموية، بل اتهموني بالإساءة للدين لتركيزي على الحكم “للذكر مثل حظ الأنثيين” مع أنه لا يمثل حسبهم إلا أربعة حالات فقط من بين العشرات والتي في أغلبها ترث المرأة مثل الرجل أو أكثر !

هناك شبه إجماع على الحالات المحدودة (أربعة إلى ستة) التي يرث فيها الرجل أكثر من المرأة، أما الحالات التي يكون فيها نصيب المرأة مثل الرجل أو أكثر فالعدد يتغير من حوالي خمسة عشر إلى أزيد من أربعين، كأن التنافس حمي الوطيس والإكتشافات الإحصائية ماضية على قدم وساق (2-4). بطبيعة الحال إذا قمنا بتصميم مقارنة عددية مُوجَّهة ومُنحازة مثل مقارنة عدد الأغصان في شجرة مع عدد الأوراق في شجرة ثانية فالنتيجة لا تكون محسومة فحسب بل إن الفارق يبقى في تزايد مُستمر مع الأوراق. أنا أتأسف على هذا الأسلوب ولكني مع احترامي للجميع أصنف هذا الموقف من الحالات التي يصبح فيها التوبيخ (دون التشخيص) حتمية بيداغوجية.

لا داعي لمراجعة كل الحالات، ولتوضيح المقاربة المعتمدة نكتفي بالآية 11 من سورة النساء :

“يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ”. الجزء الباقي من الآية يوضِّح نصيب الوالدين وسنعود له لاحقا.

الآية تبدأ بإقرار القاعدة العامة الأكثر شيوعا في المجتمع “للذكر مثل حظ الأنثيين” والتي تحمل في طياتها أرقى سِمات العدل الإلهي رغم غياب المسواة العددية، وسيتم تفصيل ذلك لاحقا. ثم تصف الآية حالات غياب الذكور حيث لا يمكن الإكتفاء بالقاعدة العامة وقد يظهر ورثة آخرون مثل العم.

هذه الحالات لغياب البنين تقابلها حالات مماثلة عند غياب البنات ولكنها ليست مذكورة لأن القاعدة العامة تكفي لإستنباط القسمة التي لا تتجاوز أفراد العائلة الصغيرة (الأبناء والوالدان). الخالق أدرى بقدرات وضعف عباده – اللهم أنت الغني القوي ونحن الفقراء الضعفاء –  فإذا سَكَت عن مثل هذه الحالات فهذا يعني أنه بمقدور الإنسان بل من واجبه إدراك ذلك. وشيء آخر مهم يجب إدراكه هو أن المقارنة الموضوعية والسوية بين الذكر والأنثى تكون بين نظيرين مثل الأخ والأخت، الأب والأم، الجد والجدة، العمُّ والعمَّة …

في الحالة السابقة للبنت الفريدة، يُسجِّل “الفقهاء الجدد” أنها تتفوق على جدها وإذا غاب هذا الأخير تتفوق على عمها، ونفس المقاربة أو المغالطة معتمدة في كثير من الحالات الأخرى، وهكذا يواصلون توثيق حالات جديدة لصالح المرأة.

مقارنة البنت مع جدها أو عمها أو أب جدها غير معقولة بل هي متطفلة وعبثية. الجد يُقارَن مع الجدة والعم مع العمة، وحينها ينقلب السحر على الساحر وتصبح حالة العم مع العمة لصالح الرجل.

في حقيقة الأمر مع حضور الأخ أو غيابه فإن نصيب البنت من تركة الأب يكون دائما أكبر من نصيب العم، الفرق البسيط هو أن نصيب العم يساوي صفر مع وجود الأبناء. ولذا قد يقترح أحدهم توسيع “إجتهاد التنقيب عن الذكر ذي النصيب الزاهد” ليشمل الخال وحتى باقي رجال العائلة والقبيلة.

من المؤسف جدا أن هذا الفخ الإحصائي المُوَجه والمُجامل وقعت فيه شخصيات وهيئات إسلامية كبيرة.

“من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين”، أو كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم. جزى الله خيرا كل من اجتهد في فقه الميراث والفرائض، ولكن أن يقوم المرء بمقارنات دخيلة لا معنى لها، فقط لإحصاء حالات أكثر لصالح الأنثى استرضاءً لمنظمات حقوقية مشبوهة، فهذا استخفافٌ بالعلم الشرعي وانتحارٌ لعقل المسلم وإلحاقُ إعاقات ذهنية بالأجيال.

لذلك لا عجب أن يقوم بعض الذكور بالترويج لهذه الحالات الكثيرة لصالح المرأة لتهدئة خواطر أخواتهم، دون التمكن من إخفاء سعادتهم لوجودهم ضمن الأقلية المحظوظة أو الناجية. ولا يُستبعد أن يقوم بمثل هذا الترويج جائر يدافع ظاهريا عن الدين ويحرم الأنثى من الميراث. ولا عجب كذلك أن “يتفطن” آخرون بأن الإجحاف إنتقل إلى الطرف الثاني وأصبح الرجل هو المُضطهد.

المساواة العددية والعدالة السماوية

المساواة هي التأميم الإجباري لثروات الأغنياء وتقسيمها على المجتمع، بينما العدل الإلهي هو “وفي أموالهم حق للسائل والمحروم”. التساوي هو تناوب الذكر والأنثى على الحمل والرضاعة، بينما العدل السماوي هو “ومن كل شيء خلقنا زوجين” مع تكليف الذكر بالرجولة والقوامة مهما كان فقيرا وإسقاطها عن الأنثى مهما كانت غنية، والمقابل هو “للذكر مثل حظ الأنثيين”، وذلك بغض النظر عن الحالات الإستثنائية أو المتمردة. فضَّل الله الذكر في الميراث لتكليفه بواجب الرجولة والقوامة.

تقترن المساواة العددية مع العدل الإلهي في حالات إنتقال الإرث إلى جيل أكبر غيرِ مُقبِل على الحياة الزوجية ويكون قد تجاوز مرحلة القوامة لبناء العائلة. وهذا ما يُقِرُّه الجزء الأخير من الآية السابقة : “وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ”. الآية 11 في بداية سورة النساء تمثل الحجر الأساسي لعلم المواريث والفرائض. وتعود نفس السورة في أواخرها (الآية 176) إلى القاعدة الأساسية تذكيرًا وتحذيرًا : “وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”

رغم أن الكثير يمر عليه مرور الكرام والبعض يسخر ويتساءل أين هو من الواقع، سيضل مبدأ “الرجال قوامون على النساء” هو أساس بناء العائلة وتوزيع الأدوار في الإسلام. هو نعيم خفي ينقشع أكثر في الضراء لأولي الألباب، مثل تاج الصحة الذي يتجلى بوضوح للمرضى.

وعكس توقعات أعداء الإسلام فإن أكثر من يشعر بالضراء الإجتماعي ويبحث عن النعيم المفقود هم النساء في الغرب

من يضطهد من ؟

الأنسب أن نسأل هل يوجد من هو أعلم بالإضطهاد من الضحية نفسها، وهل يصيب في وصفة العلاج من يخطئ في التشخيص ؟

إذا كان عدد المعتنقين للإسلام في تزايد مستمر فإن نسبة النساء تتفوق وتتضاعف أكثر وأصبحت الآن في حدود 75%. أهناك ملجأ من الله إلى من سواه ؟

أبشع أنواع الإضطهاد للأنثى هو إقحامها في منافسة مفتوحة مع الذكور في غياب تام لمروءة الرجولة وقيمها وقيودها، حيث تضطر المرأة للتضحية بنعمة الأمومة واللجوء لعمليات التجميل والتجويع طمعا في تمديد صلاحيتها كبضاعة. وأحقر أنواع البضاعة هي تلك التي تتفنن في مرحلة المجد المُزيف في إعطاء دروس التحرر والتحضر، وفي خريف العمر تنضم للمنددات بالإغتصاب مفضحة تفاصيل إهداء شرفها للذئب الذي كانت ترى فيه كل أنواع القوامة على الطموح والمصير.

تقول إحدى الأميريكيات التي قامت مع صديقتين بترجمة القرآن للأنجليزية بعد إعتناقهن الإسلام (5)، وتُعدُّ ترجمتهن تحت عنوان “صحيح أنترناشيونال” الأكثر إنتشارًا، تقول آمة الله (ميري) أنها لما تعرفت ككاثوليكية على طلاب مسلمين في الجامعة جزمت أنها لن تقبل أبدا معيشتهم. ورغم عدم إلتزامهم بتعاليم دينهم إلا أنها لاحظت تميزهم عن غيرهم وجذبوا اهتمامها، وكانت تلك هي بداية رحلتها نحو الإسلام .

أما صديقتها أم محمد (إيميلي) فكانت ملحدة وتزوجت من عربي. فلما زارت بلده لم تمنعها ضروف المجتمع السوري من استيعاب نعمة التماسك الإجتماعي كتاج خفي. إعتنقت الإسلام ودرست اللغة العربية ثم هاجرت للعمل والعيش في السعودية حيث تبحرت أكثر مع صديقتيها في علوم اللغة والدين. والغريب الطريف أن الآية التي استعصت عليهن أكثر  في الترجمة هي آية القوامة في سورة النساء : “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”

ولكن بفضل الفطرة السليمة والعقل السوي لم تجد الأعجميات الثلاثة أي حرج في تكليف الرجل بالقوامة مقابل حق الأنثيين في الميراث بل كان ذلك مما جذبهن للإسلام. ما أحرجهن هي عبارة “واضربوهن” حيث لم تطمئن نفوسهن بالتفسير بما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا مرة. فبَحثن في تاريخ اللغة العربية تنقيبا عن كل معاني الكلمة إلى أن عثرن على معنى يتماشى مع السُّنة النبوية العملية. ضرَبتُ فلانا يعني كذلك هاجرتُه أو إبتعدتُ عنه.

الجدال مع غير المسلمين بالتي هي أحسن لا يعني مجاملة أعداء الإسلام لكسب شيئ من رضاهم، بل إن ذلك هو عين الإساءة لدين الله وعين التشويش على الساعين وراء الحق للإلتحاق بقافلته.

دعوا سفهاءهم يتكالبون وأشرارهم ينبحون وسترون حكماءهم يعتبرون وأخيارهم يهتدون !

المراجع :

1) https://www.facebook.com/tsalgerie/posts/4175700472482590

http://www.lequotidien-oran.com/index.php?news=5299385

2) https://www.youm7.com/story/2018/11/29/9-حالات-ترث-فيها-المرأة-أكثر-من-نصيب-الرجل-تعرف/4049095#:~:text=1-%20إذا%20ماتت%20الزوجة%20وتركت,فرع%20وارث،%20فللزوج%20ربع%20التركة.

3) https://mubasher.aljazeera.net/opinions/2018/8/24/امتياز-المرأة-على-الرجل-في-الميراث

4) https://www.amrkhaled.net/أكثر-من-30-حالة-ترث-فيها-المرأة-مثل-الرجل-وأكثر-من

5) https://www.thedailybeast.com/how-three-american-women-translated-one-of-the-worlds-most-popular-qurans

تعليق واحد

  1. زبيدة الوهراني بتاريخ

    الله تعالى يهديك يل أستاذ ,إننا نعيش في بداية القرن 21… ففي المجتمع العربي الإسلامي الأول نجد المرأة في قعر السلم الإجتماعي نتيجة بقايا العادات و التقاليد القبلية العربية الجاهلية الموروثة ,صحيح أن القرءان و الإسلام رفع منزلتها بأن حرم وأد البنات,و أعطاها حقوق الميراث بعد أن كانت في عهد الجاهلية ممنوعة عنها, و فضل الرجل بدرجة واحدة عنها لان هذا الأخير في الأزمان الغابرة كان المعيل الوحيد للأسرة و المرأة,و كانت المرأة حبيسة بيت الزوجية و تدبيره و تربية الأولاد و البنات حصريا و لا شأن لها يُذكر في التعليم و القراءة و الكتابة أو تعلم حرفة أو صنعة أو تجارة…في العهود اللاحقة للإسلام تم تطوير هذه الوضعية للمرأة في حالات يتيمة و لكن السائد كان إبقاؤها في غياهب الجهل و الأمية و تسلط الرجل عليها ,و بقي الفقه التقليدي الإسلامي دون تطور كما نجد “خطيئة حواء بإغواء آدم ” عند المسيحيين لإبقائها في غياهب الجهل و الأمية مسيطرة على العقول و هذا شأنها كذلك في باقي البلدان غير الإسلامية …
    في عصرنا يا أستاذ خرجت المرأة إلى الميدان الفسيح فقد صارت معلمة و جامعية و تاجرة و مديرة و وزيرة و باحثة علمية و طبيبة و مهندسة و جراحة و عالمة إجتماعية و نفسية و قاضية و محامية الخ …الخ…و تريد أن تمرر و تطبق عليها اليوم في القرن21 قول فقهاء رجعيين تقليديين من غابر الأزمان بأنها ناقضة عقل و دين أو أن شهادتها =نصف شهادة في الميزان…هذا لا يستقيم دينا و لا منطقا و لا عدلا – نعم يوجد في الآية القرءانية حول شهادة المرأة ما يفيد ذلك …و لكن ذلك ينطبق على ذلك الزمن الذي انقضى من بداوة و تخلف و جهل و تقاليد قبلية موروثة و أما في زمننا الحالي فالحمد لله تعالى على نعمه التي لا تحصى على المرأة.
    أما عن “القوامة” التي لا يمكن إطلاقها على الرجل بالمفهوم الفقهي التقليدي في جميع الحالات إذا كان الزوجان الرجل و المرأة كليهما يشتغلان في وظيفة أو عمل أو تجارة …فالقوامة بالمفهوم الفقهي التقليدي أن يضع الرجل في جيبه كل المال الذي تحصل عليه المرأة من عملها أو تجارتها و هذا ظلم و حيف بليغ لا يتوافق مع أبسط المبادئ الإسلامية التي تحث على القسط و العدل و المساواة.
    لكن مفهوم “القوامة” الفقهي يمكن تطبيقه كـــ”رب الأسرة” أي رأسها أي الذي من الواجب إستشارته و مناقشته و أخذ رأيه في تدبير شؤون الأسرة بتفاهم و مسؤولية. إذ لا تستقيم شؤون الأسرة بدون قًيِِِم على مصالحها و حسن تدبيرها.
    في حقوق نصيب ميراث المرأة في التركة فهي واضحة و قاطعة في القرءان الكريم و لا تحتاج لمناقشة أو لتوضيح.

Exit mobile version