كمْ كانوا يوّدون لو يسّر الشعب مهمتهم، وأمدهم بصورة نمطية، يبيعونها للعالم، تبرر كل ما سيفعلونه فيه، مثلما، فعلوا في التسعينات، عندما باعوا للعالم صورة الوحش البشري، الذي لم يجد بواكي لضحاياه ولا من يتعاطف معهم ولا من يدين ما تعرضوا له من قمع وتقتيل وتعذيب وتشريد، لكن، ذلك زمن ولى، نحن اليوم أمام جيل فريد، عقد العزم على تفجير خططهم، ونسف أحلامهم، في حراكه السلمي الحضاري.

ليس جديدا ولا سرا لجوء الأنظمة اللا شرعية إلى خبراء “الإخراج” السينمائي وأخصائيي الدعاية والحروب النفسية، لتقديم الخصوم المقاومين لهم، في صورة “خطر” داهم وشر مطلق، في صورة شخص معتوه همجي تتطاير من عينيه شرارة العدوان والموت، يمثل كل ما تعافه النفس البشرية السوية، لكي يسهل اغتياله في مخيلة الناس، تمهيدا قتله المادي دون اعتراض من أحد أو انتقاد. هذه الإستراتيجية تستخدمها كل النظم، سواء الاستعمارية ضد الشعوب المحلية، أو “الوطنية” المستبدة ضد خصومها. استعملتها أمريكا ضد الهنود الأصليين لتبرير إبادتهم، والعنصريين في جنوب إفريقيا ضد السود لاستدامة استيطان بلدهم والصهاينة ضد الفلسطينيين لشرعنة سلبهم أرضهم، والمستعمر الفرنسي ضد من أسماهم الإرهابيين “الفلاقة” لاحتكار وطنهم، ثم واصل “مشروع” المستعمر، بقايا الأقدام السود المحليين، بعد الاستقلال، وخاصة بعد يناير 92، لتمرير ضرورة قتل ثلث الشعب، “لإنقاذ الجمهورية”، لتبرير المجازر ضد السواد الأعظم من الشعب، فدبجوا لنا عناوين تتقاطر دما وحقدا، كالتي كانت تنشرها دكاكين توفيق، في إعلام Les Milles collines، تتصدر الصفحة الأولى بعناوين بارزة بالبنط العريض من قبيل: l’Hydre islamiste, Ces monstres avaient visages d’hommes

واليوم يواصلون شيطنة كل من يواصل المطالبة بالتغيير جذري فعلي، ورفض الأوهام، فيُتهم تارة بالعدمية وتارة أخرى بالعمالة لليد الخارجية وتارة ثالثة بالإرهاب، لكن الصورة التي كانوا يستخدمونها من قبل لتمرير سيناريوهاتهم المحبوكة، لم يستطيعوا هذه المرة بيعها للشعب، بعد أن أجهض روايتهم وأفسد عليهم إستراتيجيتهم.

كانت مخابرهم تحت الأرضية، تسعى إلى إظهار ناس الحراك، في صورة  مجموعة من الدهماء المجرمين، العنصريين، الحاقدين، الجهلة، تتطاير من عيونهم علامات العنف والتطرف، وسمات التخلف والفوضى تنبعث من سلوكياتهم، وفئات متطاحنة، متباغضة، ومتحاربة، لا يقبل هذا بذاك ولا يطيق هذا سماع رأي ذاك، كل طرف يكره الآخر، ويناصبه عداء لا نهاية له، كانوا يروّجون صورة العربي الكاره للأمازيغي والشاوي والترقي والصحراوي والمزابي، والأمازيغي الذي يمقت لعربي…والشاوي يحقد على العربي…في حلقة عداء وحقد لا تنتهي، ليتسنى للعصابة التحكم المطلق في الجميع.

كان الغرض إظهار الوضع في صورة شعب مقدم على حروب لا تنتهي، كل فئة تريد فرض نفسها، وتفكيرها على الجميع، تمنع أي اختلاف أو تنوع أو نقد من أحد. صورة كانوا يأملون إبرازها أمام العالم وبيعها إعلاميا، ويمنون أنفسهم بالنجاح في تسويقها، لكن خابت مساعيهم، عندما سفه الشعب أحلامهم، وقدم صورة بديلة معاكسة تماما لِما كانوا يروجونه. ورغم ترهيبهم وترغيبهم، على مر الأسابيع المتتالية، بقي الشعب صامدا وفيا للعهد، ملتزما بأخلاقه وقيمه وأهدافه. هذا الموقف الحضاري الراقي، أقض مضجعهم وأفقدهم صوابهم، ففتحوا أبواب جهنم على نشطاء الحراك، فكثفوا حملات التضييق والاعتقال والتهديد والوعيد، على أمل أن القبضة الحديدية قد تكسر همة الحراك وتعيده إلى “بيت طاعة” العصابة، لكن، مرة أخرى أخطئوا في تقدير هذا الشعب الذي تشبع بقيم تأبى نكوص الخذلان والجبن (العصا) أو أكل الجيفة (الجزرة).

لقد أفجع العصابة تلك الصور المشعة للأخوة، بين فئات الشعب، يصدع فيها العربي مفندا كرهه المزعوم لأخيه الأمازيغي أو الشاوي أو المزابي، وهو يفعل ذلك، ليس لدحض مزاعم الذين يضرمون نيران الفتنة فحسب، وإنما تعبيرا صادقا على الأخوة التي تربط فئات شعب واحد تتقاسم مصيرا واحدا ووطنا واحدا، وتطمح في استعادة حرية وكرامة الجميع، ولا تفعل ذلك أيضا، لربح انتخابات، أو الظفر بمراكز نفوذ أو مصالح، لان ذلك لا معنى له في الظروف الراهنة، ما دام الشعب مقيد الإرادة، ومحكوم من طرف عصابات، تريد إفناء الشعب في حروب يشعلها متطرفون، من كل الفئات، يأخذون أوامرهم، من نفس المخابر.

نرى كمْ يضايقهم خطاب الأحرار، المعتدل الأخوي والجامع، الخطاب الذي يعيد الأمور إلى نصابها، ويوضح مكمن الداء، ويكشف الفخاخ، ويعمل جاهدا لتوحيد نسيج الشعب الواحد، ويفكك ألغام أرباب الحروب، فينزع فتيل الحروب المنتنة، بين العرب الأمازيغ، وبين علمانيين وإسلاميين، ويترك سموم حملات الحطب تفضي على أصحابها.

لن نسهل عليهم تنفيذ خطتهم، ولن نُدخِل الفرحة في قلوبهم المريضة، ولن نعادي من يختلف معنا بل ولا حتى من يعترض علينا، لأننا نعلم أن الاختلاف سنة من سنن الكون، وان من يخالفنا موجود على الأرض، وليس الحل في إنكار وجوده، ناهيك عن كتم أنفاسه، بل الحل الشافي يمر عبر مسار طويل النفس، متفهم ومتآخي، كفيل برفع الكثير من سوء التفاهم والتوجس، مسار يقوم على الإصغاء إلى الآخر، والتفهم والتماس الأعذار، بما يبطل مفعول الألغام الموضوع من أطراف لتمزيق لحمة الشعب الواحد ومنع التقاء كافة الأطراف حول أرضية تخدم الجميع وتضع حدا لمنظومة الاستبداد، وتتيح للجميع مجالا فسيحا لتبادل الرأي، خدمة وتقديرا للمصلحة العامة. هذه النقلة النوعية من الشعب هي التي فككت خطة العصابة، وأفقدتها الحجة لمواجهته، فأطلقت العنان لأجهزتها الأمية ولمنابرها وذبابها لتشويه سمعة الناس والافتراء عليهم وتشويه سمعتهم.

إننا ندرك أن كل فعل مقاوم هو فعل توحيد للأمة وكل تفريق بين فئات الأمة هو تمزيق لها وهدية لعدوها، وهذا ما يحفزنا على ضرورة المضي قدما على درب الحراك المبارك.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version