محمد أرزقي فراد – لا يختلف اثنان في سمو مكانة المناضل حسين آيت أحمد في تاريخ الجزائر المعاصرة، لما قدمه من جهود نضالية في الحركة الوطنية وثورة نوفمبر التحريرية، ثم في عهد الاستقلال من أجل تكريس الثقافة الديمقراطية بدلالتها المتنوعة. وتمحورت كلمتي في هذا المقام حول البعد الثقافي في مذكرات حسين آيت أحمد الموسومة: “مذكرات مكافح Mémoires d’un combattant” الخاصة بمرحلة 1942- 1952م،والموصوفة بـ” L’esprit d’indépendance روح الاستقلال”، المنشورة في باريس سنة 1983م، ثم أعيد طبعها سنة 1990م من طرف دار بوشان للنشر بالجزائر، واعتمدت على هذه الطبعة الثانية في إعداد كلمتي هذه.


1-المظاهر الثقافية البارزة في مذكراته
أشار المناضل حسين آيت أحمد في كثير من المرات إلى المظاهر الثقافية التي رافقت طفولته وشبابه وكهولته، ذكر بعضها ذكرا مباشرا، وذكر البعض الآخر ذكرا عرضيا في سياقات مختلفة، وفي كلتا الحالتين أدّى خدمة جليلة للجانب الثقافي. فقد تحدث حسين آيت أحمد عن التعليم العربي التقليدي الذي كان سمة بارزة في المجتمع الزواوي(القبائلي)، فأشار إلى كُتّاب قريته أين حفظ ما تيسّر من القرآن، وإلى الثقافة الصوفية الرحمانية التي نشأ في ظلالها، وإلى المكانة السامقة التي كان يتمتع بها الأشراف المرابطون في منطقة الزواوة. وذكر في سياق تأبين للمناضل الكبير علي لعيماش المتوفى في صائفة 1946م، مكانةٙ الشاعر الكبير سي مُحٙندْ اُومْحٙندْ في المقاومة الثقافية عقب هزيمة 1871م التي قصمت ظهور الجزائريين. كما أشار أيضا إلى مؤسسات الزوايا التعليمية التي تسمّى محليا باسم “ثيمعمرث/ ثيمعمرين”، ذاكرا أنها كانت على صلة بالحركة الوطنية الجزائرية، دون أن ينسى جهود شيوخ الزوايا المتنوّرين أمثال العلامة الشيخ أرزقي الشرفاوي الأزهري. وألمح حسين آيت أحمد أيضا إلى جانب من نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وإلى صلة المعرّبين بحزب الشعب. كما خصّص فقراتٍ لبعض المتعلمين خرّيجي المدرسة الفرنسية الرسمية، وما قدّموه من دور إيجابيّ في نشر الوعي الوطني في أوساط الجماهير أمثال طلبة ثانوية ابن عكنون، والسيّد سحنون مُحند أولحُسين خرّيج دار المعلمين ببوزريعة في مطلع القرن العشرين، ومصطفى لشرف، ومحمد الشريف ساحلي، وغيرهم.

2-التصوّف مدرسته الأولى
اعتبر حسين آيت أحمد “التربية الصوفية” هي المدرسة الأولى التي أخذ منها منهاج الحياة(ص.10)، ويعود ذلك إلى انتمائه إلى عائلة الشيخ مُحندْ اُولحُسينْ (المتوفى سنة 1901م) وهو أحد رمــــــوز الطريقة الصوفية الرحمانية في منطقة الزواوة (القبائل)، وهبه الله قلبا خاشعا ولسانا شاكرا لاهجا بحمد الله وشكره، نهل من منابع التصوّف الكثيرة، كالشيخ العلامة مُحٙندْ وٙعْلِي تقابة(ولاية بجاية حاليا). نجح هذا الوليّ الصالح في ترجمة معاني القرآن إلى اللسان الزواوي الأمازيغي بطريقة راقية أنجبت جواهر حسانا، ومكّنه تحكمه في ناصية لسان أجداده من صياغة تجارب الحياة في قوالب لغوية إبداعية رائعة(حكم وأمثال) أثْرت ديوان الأدب الأمازيغي، فصار الناس يُقبلون عليها ويحفظونها عن ظهر قلب، وجعلوها تِرياقا يخففون بها وقع البؤس والهزيمة على أنفسهم، في زمن الهيمنة الاستعمارية الفرنسية. أشار حسين آيت أحمد أيضا، إلى النجاح الباهر الذي حققه الشيخ مُحندْ اُولحُسينْ، في مجال الحفاظ على قيم المجتمع المتمثلة في التعاون والتآزر والإيثار والتضامن، وفي تطهير القلب من الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالجشع والحسد والرياء والنميمة والزور والكذب والغيبة. وباختصار كان الشيخ مُحندْ اُولحُسينْ وليّا من أولياء الله الصالحين، جعله الله موسوعة للثقافة الأمازيغية الشفوية المتشبّعة بالعقيدة الإسلامية ذات المسحة الصوفية، وكُتِب له الله أن ينجح في الحفاظ على “الذات الثقافية” في زمن الهزيمة السياسية.
هذا والجدير بالذكر أن السيد حسين آيت أحمد، قد ذكر الطريقة الصوفية العلوية ذكرا حسنا، من خلال إشارته إلى التعاون الذي أبداه أحد مريديها في حيّ بوزريعة مع الحركة الوطنية التحررية، حين استقبل المناضلَين حسين آيت أحمد وأحمد بن بلة، وأخفاهما في بيته لمدة ثلاثة أيام في صائفة 1950م عقب حلّ “المنظمة الخاصة”، ذاكرا أن والد هذا المناضل قد خصّص قسما متواضعا لتعليم القرآن للأطفال غير المتمدرسين(حوالي أربعين طفلا)، استغله حسين آيت أحمد لقضاء بعض لياليه هناك بعيدا عن عيون فرنسا (ص.195).

3-الأشراف المرابطون
تحدث السيد حسين آيت أحمد عن فئة “الأشراف المرابطين” التي ينتمي إليها، وهي فئة نخبوية في المجتمع الزواوي مرتبطة بالثقافة العربية- الإسلامية، كانت مهامها هي نشر الوعي الإسلامي والتعليم العربيّ، وحقن الدماء، ورأب الصدع، ونشر ثقافة المصالحة والتسامح بين القرويين. لذلك فإن أفرادها كانوا يحظون بتقدير واحترام كبيرين. وأكّد حسين آيت أحمد حضور هذا العامل الاجتماعي(بركة أجداده الصالحين) أحيانا، في تقييم مداخلاته السياسية في بعض الاجتماعات الحزبية التي كان يحضرها(ص.67). وأخبرنا حسين آيت أحمد أنه استفاد من تجربة والده في تسيير الاجتماعات:<< وبالنسبة لأبي فإن التفاوض من أجل تفادي الكارثة، يجب أن يستغرق الوقتَ الضروريّ دون استعجال، وكان يذلل الصعوبات بعبارة عزيزة عليه مفادها: ” لوجه الله، إن إنقاذ حياةٍ ليس له ثمن.” >> ص.68.
ومن الخصائص الأخرى التي كانت تميّز “الأشراف المرابطين” في الزواوة، عدم اختلاطهم بالزواج مع غيرهم من العناصر الأخرى، بحجة الحفاظ على نقاوة نسبهم الشريف. وفي هذا الصدد ذكر حسين آيت أحمد، أن والده لم يوافق في البداية على اختياره للآنسة جميلة اُوتودرت لتكون شريكة حياته، لأنها لم تكن من فئة ” المرابطين الإشراف”. ولكن استطاع حسين آيت أحمد في الأخير، أن يقنع والده بمراجعة موقفه، لأن هذه العادة المرابطية، لا تنسجم مع تعاليم الإسلام الداعية إلى تآخي المسلمين وإلى عدم المفاضلة بينهم إلا على أساس التقوى والعمل الصالح(ص.213).
4-التعليم العربي/ الإسلامي
ذكر حسين آيت أحمد أنه على غرار ما هو جارٍ في كل مناطق الجزائر، أخذ في طفولته المبكّرة مبادئ القراءة والكتابة، وما تيسّر من القرآن، في كُتّاب قريته آث أحمد(بلدية آث يحي، دائرة عين الحمام، ولاية تيزي وزو)، الذي يستقبل الذكور والإناث على حد سواء. وقد وصف حسين آيت أحمد بشيء من التفصيل ذلك التعليم التقليدي الذي كان يمارس في ظروف صعبة وبوسائل تربوية بسيطة، أجملها في غرفة بها حصيرة يجلس عليها الأطفال، في حين يجلس المعلم على جلد غنم مصوَّف(ثاهيذورث)، أما وسائل التعليم فهي تنحصر في ألواح خشبية مبيّضة بمادة الصلصال، يكتب الأطفال عليها ما تيسّر من آيات القرآن، بأقلام مصنوعة من القصب، وحبرٍ مصنوع محليا( صوف محروق مذاب في الماء). ويكافئ الأطفال عند إكمال حفظ سورة قرآنية بتزويق ألواحهم بحبر ملوّن، الأمر الذي كان يبعث السرور في نفوسهم. هذا وقد أشار السيد حسين آيت أحمد أن القوانين العرفية المحلية، كانت توجب على الأطفال الذهاب إلى كتُاب القرية ابتداء من الساعة الخاصة صباحا، قبل الالتحاق بالمدرسة الرسمية، وهو إجراء وقائي هدفه تحصين الأطفال بالتربية الروحية، التي تقيهم من خطر الفرنسة(ص.11).
أشار أيضا السيد حسين آيت أحمد إلى مؤسسة “ثيمعمرث”(الزاوية) التعليمية التي كانت بمثابة ثانوية في الماضي، ذاكرا مبادرة العلامة الشيخ أرزقي الشرفاوي الأزهري- المدرّس في زاوية عبد الرحمن اليلولي(ولاية تيزي وزو)- المتمثلة في توجيه دعوة لرموز الحركة الوطنية الجزائرية، من أجل تنوير طلبة الزاوية بالوعي السياسي الوطني. وقد لبّى السادة المناضلون وَعْلِي بنّايْ، وعلي لعيمش، وحسين آيت أحمد الدعوة، فقضوا بها ثلاثة أيام قدّموا خلالها سلسلة من المحاضرات حول الحركة التحررية، وتاريخ المقاومة الجزائرية، وحول دور طلبة هذه الزاوية في انتفاضة 1871م. وقد تجاوب الطلبة مع المحاضرين، وأعلنوا عن استعدادهم لخدمة الحركة الوطنية، وهو ما أثلج صدور الوطنيين لأنهم كانوا في حاجة ماسة إلى جهود هؤلاء الطلبة المنتسبين إلى العديد من مناطق القطر- كوهران وعنابة وباتنة – من أجل نشر الفكر التحرري على نطاق واسع.(ص.73). وذكر سي الحسين جانبا من الضغوطات التي كانت تمارسها فرنسا على المدارس القرآنية، بطرق مختلفة كمصادرة أوقافها مثلا (ص.58).
هذا وقد أشار السيد حسين آيت أحمد، إلى تعلق سكان الزواوة باللغة العربية إلى درجة أن هناك من تعلمها بطريقة عصامية، كالمناضل محمد الصغير فرج من مدينة تيزي وزو(ص.25)، والمناضل محمد زروال(من دلس) الذي كان يجتهد من أجل إلقاء كلماته باللغة العربية الفصحى(ص.27).
5-جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
لا تختلف نظرة حسين آيت أحمد إلى جمعية العلماء، عن غيره من قادة الحركة الوطنية الاستقلالية. فقد أدرج نشاطها ضمن الحراك الذي كان قائما في المدن الجزائرية، من أجل انتزاع إصلاحات سياسية دون تقديم مطالب وطنية، ودليله على ذلك أن هذه الجمعية قد حاولت في المؤتمر الإسلامي المنعقد سنة 1936م، التفاوض من أجل الحصول على المواطنة الفرنسية، دون التخلي عن الأحوال الشخصية (ص.59).

6-المثقفون المعرّبون
ذكر حسين آيت أحمد في هذا السياق، المناضل الشيخ حامد روابحية بإعجاب، فوصفه بكونه إطارا معرّبا من الوزن الثقيل، وبكونه متميّزا بالحيوية واتساع الأفق، واعتبره من رفاق الدكتور لمين دباغين، و بوقادوم، وبأنه كان ينشط في منطقة قسنطينة (ص.108).
كما ذكر حسين آيت أحمد مثقفا معرّبا آخر، توجّس منه خيفة ولم يرتح له، وهو السعيد الزاهري خرّيج مؤسستي الزيتونة والأزهر. كان هذا المثقف يأتي إلى مقر الحزب – حسب شهادة سي الحسين- رفقة المناضلَين عبد الحميد سيد عليّ والصادق ريحاني، لزيارة الرئيس مصالي الحاج. وقد اطمأن إليه هذا الأخير لذلك فكّر في تكليفه بمسؤولية جريدة “المغرب العربيّ” المزمع إنشاؤها، فعقد جلسة عمل مع أعضاء المكتب السياسيّ للنظر في هذا الأمر، ورحّب خلالها حسين آيت أحمد ومحمد بلوزداد باقتراح إنشاء الجريدة، لكنهما تحفظـّا إزاء إسناد مسؤوليتها للسيد السعيد الزاهري، بحجة أنه غريب عن الحزب. بيد أن المكتب السياسي لم يأخذ تحفظهما بعين الاعتبار. ثم أشار حسين آيت أحمد إلى الحماقات التي ارتكبها السعيد الزاهري بمقالاته العنيفة ضد جمعية العلماء وفرحات عباس، وقد أثّرت سَلبا على وحدة صف الجزائريين (ص.108).
كما أشار حسين آيت أحمد في مذكراته إلى الشيخ حمزة بوبكر – الذي كان معلما للغة العربية في المدرسة الرسمية- ذاكرا أن حزب حركة انتصار الحريات والديمقراطية(PPA/MTLD) قد كلفه بالإشراف على مجلة “السلام” الشهرية، وهي مجلة اجتماعية هدفها ترقية المرأة بالدرجة الأولى، لكنها سرعان ما اختفت بسبب الأزمة المالية(ص.111).
7-المدرسة الرسمية الفرنسية
ذكر السيد حسين آيت أحمد في مذكراته، أن الأطفال والشباب الجزائريين المحظوظين الذين زاولوا دراستهم في المدرسة الفرنسية الرسمية، هم فئة قليلة لا تتعدى نسبتهم 10بالمائة من البالغين سن التّمدرس، أما البقية الباقية فقد كانوا فريسة للجهل والأمية. وحتى تلك الفئة القليلة المحظوظة كانت تعاني من التمييز العنصري، فالمدرسة التي زاول فيها دراسته، بها جناحان، الأول خاص بأبناء المستوطنين الفرنسيين يشرف عليهم معلمون فرنسيون، والثاني خاص بأبناء الأهالي الجزائريين يتلقون دروسهم على أيدي معلمين جزائريين في أقسام مكتضة يزيد عدد تلاميذ القسم والواحد عن ستين تلميذا. وما دام لكل قاعدة شواذ، فقد اعترف حسين آيت أحمد أن مدير تلك المدرسة السيد “طومي” القادم من فرنسا، كان مشبّعا بالقيم الإنسانية، فساعده في تحضير المسابقة الخاصة بالتعليم الثانوي(ص.14).
ومن سلبيات برامج التعليم الثانوي التي تحدث عنها حسين آيت أحمد، الحطّ من قيمة الألسن الشعبية الجزائرية، وتعليم اللغة العربية الفصحى كلغة أجنبية، من طرف أساتذة فرنسيين غير أكفاء، كان تلاميذهم يتفوّقون عليهم أحيانا(ص.15). وفي سنة1939م تحصل حسين آيت أحمد على شهادة التعليم الابتدائي، ثم نجح في مسابقة الدخول إلى ثانوية الجزائر. وفي سنة 1944 تحصل على القسم الأول من شهادة البكالوريا، أما القسم الثاني فقد تحصل عليه بعد عشرين سنة في سجن الحراش سنة 1964م كما ذكر(ص.30).
هذا وقد ذكر حسين آيت أحمد عددا من إطارات حزب الشعب الجزائري الذين تخرجوا من المدرسة الفرنسية، كجماعة ثانوية ابن عكنون التي ينتمي إليها، منهم علي لعيماش المتميّز بثقافته السياسية العالية وقد اختطفته المنية في ريعان الشباب في شهر أوت 1946م، وصادق هجرس، وسعيد شيبان، ومُحند اُويذير آيت عمران(مؤلف نشيد أكّرْ أمِّيسْ اُومازيغ/ انهض يا ابن الأمازيغ)، وعمر اُوصديق. هذا وقد أصدر طلبة ثانوية ابن عكنون جريدة مدرسية (الطالب الوطني) كانوا يطبعونها بوسائل الثانوية في غرفة المراقب العام أعمر بن تومي، وأقاموا أيضا علاقات مع طلبة الجامعة(ص.29). وذكر حسين آيت أحمد أيضا المناضلين سيد علي حاليت، وحسين عسلة اللذين درسا بإكمالية ساروي بحي سور ستارة، شرق حيّ القصبة (ص.26)، ومحمد الشريف ساحلي (مؤلف كتاب رسالة يوغرطة) الذي وصفه بالفيلسوف ص.117.
ومن المواقف المشرّفة التي وقفها التلاميذ الجزائريون أثناء زيارة وزير الداخلة لمنطقة القبائل في مطلع سنة 1946م، رفضهم المشاركة في حفل استقباله تفاديا لرفع الأعلام الفرنسية وإنشاد النشيد الوطني الفرنسي(la Marseillaise). وأكثر من ذلك أعدّ له تلاميذ مدرسة قرية إعزوزن(لربعا ناث يراثن) مفاجأة غير سارة حين أنشدوا نشيد “من جبالنا طلع صوت الأحرار” بدل السلام الفرنسي، وهو الأمر الذي أحدث هلعا في أوساط الإدارة الفرنسية على مستويات عدة، وأسفر ذلك عن فصل هؤلاء التلاميذ(ص.61-62).


ذكر حسين آيت أحمد في سياق الإعداد للانتفاضة المقرر تفجيرها يوم 23 ماي 1945م، شخصيةً محلية في آث واسيف وصفها بالوقار، إنه السيد سحنوني مُحند اُولحسين(1897- 1979م) خرّيج مدرسة دار المعلمين ببوزريعة سنة 1916م، الذي تم فصله عن المدرسة الرسمية بسبب مواقفه الوطنية التي أبداها أثناء تجنيده في الحرب العالمية الأولى. قال عنه حسين آيت أحمد أنه رغم تقدمه في السن، فقد أعلن مساندته للحركة الوطنية التحررية(ص.41).
8-الثقافة الأمازيغية
ذكر حسين آيت أحمد مظاهر متنوعة للثقافة الأمازيغية في سياقات مختلفة، كإشارته إلى نظام ثاجماعث القروي الذي يتكفل بحل جميع المشاكل التي تظهر في القرية، بفضل تفعيل مبدأ المصالحة والصلح، وهو ما يعني مقاطعة المحاكم الفرنسية(ص.15/67). ونوّه بدور الشعراء في مقاومة الاستعمار بالكلمة المنظومة كما فعل الشاعر سي مُحَندْ اُومْحَندْ عقب انتفاضة 1871 الفاشلة، وهو الشاعر المعروف بشهامته وتعلقه بالكرامة، ورفضه للذل والهوان:<< أنَرَّزْ ولاَ أنَـكْـنُـو/ قد ننكسر لكن أبدا لا ننحني.>>(ص.80).
واستخلصنا من مذكرات حسين آيت أحمد أن الأذكار الصوفية كان لها دور في تخفيف ويلات الاستعمار والعيش الضنك، ذاكرا في هذا السياق أن أمّه – وهي سليلة الزاهدة والمجاهدة فاطمة نسومر- كانت تحفظ الكثير منها(ص.14). وأفادنا أن الوطنية الصادقة قد دفعت بالأحرار إلى تأليف أناشيد وطنية باللسان الأمازيغي لنشر الوعي الوطني وتعبئة الجماهير والشباب، مشيرا في هذا السياق إلى النشيد المشهور” أكّرْ أمِّيسْ اُومازيغْ”( انهض يا ابن المازيغي) وهو من تأليف المناضل الطالب مُحَندْ اُويذِيرْ آيت عمران، أمّا حسين آيت أحمد فقد ألّف- كما ذكر- نشيد: “نُوكْنِي ذارَاشْ إذُورَارْ”(نحن شباب الجبال)(ص.61).
9-أزمة الثقافة البربرية 1949م
فسّر حسين آيت أحمد انفجار هذه الأزمة، بسبب رفض قيادة الحزب فتح نقاش موسّع حول الهوية الجزائرية، التي كانت مختزلة في البعد العربي الإسلامي فقط، ثم زاد الأمر تفاقما بسبب سوء تصرّف المناضل سيد علي يحي بفيدرالية فرنسا. وعليه فقد نفى حسين آيت أحمد نفيا قاطعا وجود مؤامرة باسم البربرية ضد الحزب كما كان يتصوّر الرئيس مصالي الحاج. هذا وقد لخّص حسين آيت أحمد الأسباب التي جعلته يرفض التنديد برفاقه المطالبين بفتح النقاش حول قضية الثقافة البربرية، في النقاط التالية:
1- عدم وجود مؤامرة.
2- مشاطرته لرؤى رفاقه الخاصة باللغة والثقافة الأمازيغية.
3- الأزمة هي نتاج رفض قيادة الحزب ومؤسساته فتح حوار حول هذه القضية الأساسية.
4- كان من الممكن امتصاص الأزمة لصالح الحزب والوطن، لكن القيادة اختارت القمع كوسيلة لإنهائها.
وأمام ثبات حسين آيت أحمد على موقفه هذا، تعرّض للعقاب بطريقة غير مباشرة وصفه بقوله:<< وابتداء من ذلك اليوم، لم أعد استدعى لاجتماعات المكتب السياسي، واللجنة المركزية، وقيادة المنظمة الخاصة، رغم أنني لم أتلق أيّ قرار من لجنة الانضباط. و أكثر من ذلك علمت عن طريق الصدفة، أن المكتب السياسيّ قد أبعدني عن رئاسة المنظمة الخاصة، وعيّن عليها أحمد بن بلة.>>(ص.192). وكان ذلك في شهر ديسمبر 1949م.
10-المظاهر الأخرى
ومن الإشارات الأخرى المُبرزة للبعد الثقافي في مذكّرات السيد حسين آيت أحمد، ذكره للفرق المسرحية والغنائية التي كانت تستغل من طرف مناضلي الحركة الوطنية التحررية، من أجل تمرير رسائل “الوعي السياسي الوطني” باللسانين العربي والأمازيغي، نحو الجمهور العريض، ذاكرا السيد ميسوم كمثال، والآنسة زكال(بنت المناضل محمد زكال) التي كانت تقوم بهذه المهمة في الأوساط النسوية(ص.36)، وكذلك دور المناضل أحمد بودة الذي كان يلقي الأناشيد الوطنية في الحفلات والأعراس، ألفها بنفسه أحيانا، ومن تأليف حسين آيت أحمد أحيانا أخرى(ص.109).
تلكم هي المظاهر الثقافية الكبرى التي وردت في مذكرات المناضل حسين آيت أحمك أنها تعبر عن “الذات الثقافية” الجزائرية القويّة التي استطاعت – رغم الهزيمة السياسية- أن تساعد الشعب الجزائري على الصمود في وجه سياسة المسخ الاستعمارية، ثم القيام بثورة شعبية أعادت للجزائر سيأدناه المغتصبة.

https://hoggar.org/wp-content/uploads/2020/05/memoires_d_un_combattant_l_esprit_d_independance_1942-1952_ar.pdf

وعاشت مناصر راحت تناجي *** بوذريس شيخا وريف الجناح فردد رجـع صداه أبو عمامة *** يدني حظوظ النجاح وهڤار تزهو بآمودها *** يذود عن الشرف المستباح

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version