منذ انطلاق الحراك تحققت أشياء لم نكن نحلم بها، أهمّها كسر جدار الخوف واستعادة هامش كبير من الحرية للشعب وذهاب رؤوس العصابة، فمن كان يتصوّر هؤلاء الأباطرة قابعين في السجن أو هاربين في الخارج؟ أجل بقيت أذنابهم في الدولة العميقة ودواليب السلطة علينا أن نقطعها لننطلق معتمدين على الله إلى إقامة الجمهورية الثانية المؤسسة على الشرعية الشعبية وحدها.

ستجري الانتخابات في أجلها، والمساعي ما زالت حثيثة لاختيار مرشح أو أكثر للأغلبية من طرف الفاعلين في المعارضة  من أحزاب لها مصداقية وجمعيات كبيرة وشخصيات قوية، لكن المشكلة مع أولئك يشتكون من الفساد والظلم والحقرة ثم يوقعون الاستمارات لتبون وميهوبي وأمثالهما بسخاء كبير وحفاوة بالغة، ويوم الاقتراع سيحاولون التزوير لصالح مرشحي الأفلان والأرندي…فمَن العصابة إذًا؟

لن ينقلنا الرئيس القادم إلى وضع مثالي لكن- إن أحسنا الاختيار وحرسنا أصواتنا- إلى وضع البلاد على السكة الصحيحة ليبدأ العمل الجاد في جميع الميادين، وأخشى ما أخشاه تمادي دعاة الصدام مع الجيش في استفزازهم معتمدين على الأقلية الايديولوجية قليلة العدد عالية الصوت…من حق الناس أن يختلفوا مع قيادة الجيش ومع أية جهة أخرى  لكن ليس من حقهم ولا من صالح الجزائر السعي إلى الاستفزاز و الاستعداء والصدام كما هو حادث هذه الأيام باستمرار وبأشكال متعددة خاصة في العاصمة ومنطقة القبائل التي تحاول الأقلية المتنفذة الإمساك بها كرهينة رغم اصطفاف الأغلبية هناك مع الشعب في كل أنحاء القطر، والسكوت عن هذه الأفعال لن يخدم لا الانتخابات ولا الجزائر ولا أي مشروع مستقبلي فيه الصالح العام.

ومن تجليات هذا الاستقطاب الحاد والجوّ الموبوء لجوء بعض الأطراف الشبابية والإعلامية إلى اعتماد أسلوب التهييج المثخن بالتخوين والشيطنة بحيث لا ينجو منهم حزب ولا جمعية ولا شخصية ولا مترشح ولا صاحب رأي ولا حتى ساكت عن إبداء رأيه، ومن شأن هذا أن يلغّم الحياة السياسية أكثر حتى تصبح الحدية سيدة الموقف وهو ما ينذر بأخطار مجتمعية محدقة، ومن أغرب ما أراه في الساحة في هذا الإطار أن الدعوة إلى المقاطعة حق أما الدعوة إلى المشاركة فهي خيانة.   

 وكادت ثمرات الحراك وأجواؤه الرائعة أن تضيع بين التنابز والوعيد فضل عن الشتائم حتى رُفع شعار ” لكم حراككم ولنا حراكنا  ولكم مطالبكم ولنا مطالبنا”، وهذا – على مرارته – له ما يبرره حين نرى رموز الأقلية الايديولوجية يصدعون الرؤوس بهتاف “لا انتخابات مع العصابات ” بينما أيدوا مرشحهم وروّجوا له بقوة في انتخابات افريل الماضي الملغاة في ظل دولة سعيد بوتفليقة وتوفيق وأويحي. 

هؤلاء يتباكون على مدنية الدولة لكنهم لم يستغلوا سيطرتهم لعقود على المؤسسات السياسية الاقتصادية و الثقافية و التربوية من أجل إرساء قواعد هذه الدولة، أم أن إفشال كل شيء هو نهجهم وهم يتسترون بالشعارات الرنانة؟ يؤججون الأوضاع لتضيع الانتخابات ومعها فرصة التغيير ويحدث الصدام مع الجيش ليواجهوا الناس بقولهم الآثم ” ألم نقل لكم إنه حكم عسكري”؟ …وخير ردّ عليهم هو المشاركة في الانتخابات بكل عزيمة والالتفاف حول مرشح لا علاقة له بالعصابة ولا بالدولة العميقة.

غالب الظن أن هناك تيارا سياسيا صنيعة مخابر العصابة  لا يريد الانتخابات حتى لو نظمتها الملائكة، لكن لدي أمل كبير أن الجزائريين استخلصوا الدروس وسوف يُنجحون الانتخابات رغم نقائصها المعروفة.

وينتابني تساؤل ملحّ عن الأطراف الإسلامية التي اصطفت سياسيا مع الأقلية العلمانية العنصرية المتطرفة، تثق في هؤلاء وتشكك في قيادة الجيش التي أثبتت عبر تسعة أشهر أنها تغيّرت وانحازت إلى جانب الشعب، أليس هذا أمرا غريبا محيّرا؟ ويشهد الرأي العام الوطني لجمعية العلماء نضجها السياسي حين اختارت فن الممكن ورحبت بالانتخابات وساهمت – بما يليق بصفتها الدعوية الجامعة – في التحضير لها والدعوة إليها.

أنا لا استهين بالدولة العميقة وأعلم أنه من الصعب تنظيم انتخابات حرة ونزيهة  بدون تفكيك أخطبوط هذه الدولة لكن إيماني بالله يجعلني متفائلا.

ما أحوجنا إلى الله

ما أحوجنا إليه دائما، إلى لطفه وهداه وتوفيقه، خاصة في هذه الأيام العصيبة التي تشتت فيها صفّنا وتفرقت كلمتنا رغم أن ربّنا واحد وكتابنا واحد وسنّة نبيّنا صلى الله عيله وسلم حيّة هادية جامعة وبلدُنا في منعرج حاسم.

لا بد أن نُقبل عليه ونتضرع بين يديْه ليقينا الفتن من كل نوع ويجمع قلوبنا على التقى وعقولنا على رؤية واضحة تفتح للجزائر باب الخلاص، وينجينا من حظوظ النفس والتعنت القاتل…إنها أمانة كبرى سنُسأل عنها…فالله الله في بلدتنا وأخوّتنا  ووحدتنا.

اللهم اجمع شملنا وألف بين قلوبنا ووحّد صفنا وأبرم لنا أمرا فيه خيرٌ لنا ولديننا وبلدنا.

3 تعليقات

  1. الحجة على من يدعي وجود حراكين في الجزائر ، و وجود من يقول : لنا حراكنا و لكم حراككم ، لنا مطالبنا و لكم مطالبكم ! و الدليل من جهتنا أن الصحوة اليوم هي صحوة اجتماعية كما كانت أيام نوفمبر 1954 ، و ليست صحوة حزبية أو خاصة بحركة أو جمعية من الجمعيات ، و لو كانت إسلامية . أما الدليل الثاني فهو عدم توقع ، لا أحزابنا الموقرة ، ولا إعلامنا المطيع ، ولا نخبتنا الوفية ، خروج الشعب بالملايين ! أما الدليل الثالث فهو مسيرات أول نوفمبر 2019 ، على بعد يومين . لقد شاهدنا حراكا واحدا و وحيدا بالملايين ، و لربما الكاتب المحترم تابع عن قرب حراكا ثانيا بالملايين يرفع شعار : الانتخابات هي الحل! و لم نتمكن للأسف رصد المشهد الذي رصده كاتبنا و رصد معه تلك الشعارات المعبرة عن مباركة مسعى قيادة الأركان ! نتفق مع الكاتب بخصوص نوايا العصابة و دسائسها و حرصها على المواجهة كما حرصت على ذلك أيام تسعينيات القرن الماضي ، لكن وجب أن نحذر من مغبة التعويل على من اقتاتوا مع العصابة بشكل أو بآخر و باتوا يتخوفون على مكاسبهم و امتيازاتهم ، و منهم الوزراء و المدراء العامون و أصحاب المقاولات و الشركات ( البرجوازيون الجدد ) الذين أخذوا أموالا بالملايير تحت غطاء الاستثمار مقابل اصطفافهم مع بوتفليقة والمخابرات لثلاث عهدات . ببساطة من استهوته الانتختبات فهو حر . لكن لا يجب التجني على الحراك الوطني و رميه بأوزار الاستئصاليين أو تحت أي مسمى آخر . لمن لم يستوعب مطالب الشعب ، فهي ببساطة مطلب الحرية و الكرامة ، والذين خرجوا منذ 22 فبراير بالملايين لا يريدون بقاء السلطة بين أيدي العسكريين . و أكثر من ذلك ما قولكم بخصوص رسالة العشرين شخصية ، وفيهم الإبراهيمي ، محمد الهادي الحسني ، و علي بن محمد ؟ ببساطة هل هؤلاء استئصاليون ؟ عليكم أن لا تراهنوا على سلطة الأمر الواقع ، و إلا فإنكم لن تكونوا في أحسن الأحوال أفضل من إخوان اليمن الذين راهنوا على السعودية و الإمارات . اعذرني يا أخي ، هذه وجهة نظر رجل بسيط لا يراهن سوى على سيادة الشعب ، و ما دون ذلك فهو سراب في سراب ، لأن العصابة سيست الزوايا و الكنائس و الألسن و الأعراق و كثيرا من الأحزاب و الجمعيات التي باتت تزايد على الحراك من زاوية غياب القيادة ، لأنها لم تستوعب إلى يوم الناس هذا إمكانية العيش بحرية و كرامة في غياب سلطان الجنرالات .

  2. فرضية إنجاح الانتحابات لقطع الطريق على العصابة و أذرعها كما تفضلت يا أخي الكريم ، مثل هذا الطرح هو طرحك ، لم تمر عليه سوى ليلة واحدة ، أليس كذلك ؟ من هو مرشح الإجماع الذي تنصح به المعارضة الفاعلة و الجمعيات الكبيرة و الشخصيات القوية وفق طرحك ، لقطع الطريق على بقايا الدولة العميقة ؟ و من تكون هذه المعارضة الفاعلة و الجمعيات الكبيرة و الشخصيات القوية ذات المساعي الحثيثة التي يمكن أن تقنع الحراك الوطني بواحد من المترشحين الخمسة من أجل التفكير بكل جدية في انتحابات ١٢ ديسمبر !؟ ثم لماذا لم تفصح معارضتنا الفاعلة و جمعياتنا الكبيرة و شخصياتنا القوية من خلال مساعيها الحثيثة ، بخصوص مبادرة الإبراهيمي و إخوانه ، واعتقال لخضر بورقعة و أبنائه ؟
    لا أخالكم تجهلون نتائج الصراع الفكري الذي لم تتوقف رحاه يوما واحدا و هي تدك أوصالنا دكا ، و تطعمنا طعاما معلبا لم تعد عقولنا و أبصارنا قادرة على التأكد من تاريخ صلاحيته ، ناهيك عن أضراره و مخاطره !

  3. هل يمكننا فعلا أن نتفاءل !؟ لكن قبل ذلك وجب أن نتساءل بخصوص الخمسة نفر الذين احتفظت بأسمائهم لجنة ولدت من رحم العصابة ، و لم تلتفت من قريب أو بعيد لسلمية الملايين التي أبهرت العالم و ثبتت على موقفها منذ 22 فبراير ، و هل كان موقفها غير ما نص عليه بيان أول نوفمبر قبل سرقته في وضح النهار ، دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية ! و ثبت على ذات الموقف قبل ذلك ، أي بعد إعلان الاستقلال بقليل ، شيخنا و قدوتنا الأسد الجريح البشير الإبراهيمي الذي كافأوه يومها بالإقامة الجبرية ، و هم يكافئون اليوم الرجل الحر عمي لخضر بورقعة بالحبس من دون محاكمة ، هذا الرجل الذي سجنوه سبع سنوات في عز أيام الاستقلال من 67 إلى 75 ! ما علاقة الخمسة بالخامسة ، وقبل ذلك بالرابعة ، و الثالثة ، من بعد عهدتين ذاقت خلالها المعارضة بأحزابها و جمعياتها و نقاباتها و شخصياتها القوية أشد أنواع الإقصاء من دون أن تحرك ساكنا ! ثم عادت تراهن على الخامسة وهي تمشي على استحياء لولا شباب الأحياء الشعبية و طلاب جامعاتنا المنسية الذين انتزعوهم انتزاعا من بين أيدي العصابة التي التهمت أموال الخزانة و رهنت مقدرات الغلابى نكاية في وصية الشهيد !؟ لكن يجب أن نتفاءل و نحسن الظن بالكاتب الكريم ، لعله يعود من جديد فيجلس لمن أراد من الساعين لقطع الطريق على العصابة ، فيستفسرون من القايد خريطة الطريق التي لا يجب أن تقصي سوى ما تبقى من أذرع العصابة بمن فيهم بدوي و بن صالح و لجنة بن يونس التي فرطت في المطالب التي راهن عليها الجميع .

Exit mobile version