مع مر الأيام وتسارع الإحداث تبلورت في الحراك اصطفافات حادة و توجهات متمايزة،

منها اصطفا فين متناقضين:                

1- الأول،  المنادي بالتأييد المطلق للمؤسسة العسكرية و المفوض لها   

2- والثاني، المفرط  في التوجس إلى حد العداء لقيادة المؤسسة العسكرية ويطالبها بالتنحي مع إلغاء كل المؤسسات الحكم القائمة و تكوين مجلس تأسيسي ومرحلة انتقالية.   

3- وبين المجموعتين يقع التوجه الثالث والذي يمثل الأغلبية كما يلاحظه كل مشارك مثابر في الحراك وتبرزه اللافتات المرفوعة والهتافات المسموعة وتؤكده آري وتحاليل الكثير من الشخصيات التي تظهر على وسائل الإعلام المختلفة مكتوبة ومرئية؛ هذا الفصيل الوسطي الواسع الذي يضم الأغلبية الصامتة  يثمن ما حققه الحراك الشعبي الشامل والموحد من إانجازات  ومصمم على مواصلة نضاله بكل سلمية إلى غاية إرساء قواعد دولة العدل المنشودة، كما يثمّن ويعتزّ بدور المؤسسة العسكرية وجميع المؤسسات الأمنية في  دعمها وحفاظها على سلمية الحراك والتي هي مكمن قوته وضمان استمراره ، ويشد على أيديها في حربها على العصابة الحاكمة وأعداء الوطن في الداخل والخارج وتحرير العدالة وإطلاق يدها للقضاء على أذرع الفساد بأنواعه والتي كانت تنخر البلاد منذ عقود .

          إن المتتبع للأحداث بموضوعية وتجرد يدرك أن كل ما أنجِز منذ بداية الحراك من تفكيك للعصابة، التي استبدت بالحكم منذ زمن طويل وذاق من ويلاتها الشعب الأمرين، ودك اذرعها المالية والإدارية وكل إخطبوط الفساد، الذي أمتد عموديا وأفقيا ليطال مسؤولين كبار وحتى بعض أبسط الموظفين آو صغار المتعاملين الاقتصاديين، مطلب شعبي ما كان ليشرع فيه بالسرعة  والانتشار الحالي لولى مرافقة الجيش وحمايته.                                                                                   

          إن القارئ النزيه لخطاب قائد الأركان الأخير لا يمكن له إلا أن يحسن الظن في إن الجيش لا يرغب أن يكون طرفا مباشرا كما تدعوه صراحة بعض الأطراف في الحوار السياسي لإيجاد حل شريطة أن يبقي في إطار الدستور الذي يتشبث به الجيش منذ البداية ، ويرجع ذلك ربما لحيثيات أمنية لا يريد الإفصاح عنها ألان. وبالمناسبة لا ننسى انه لو أراد الجيش أن يبقى متمسكا بالحكم لوجد ترحابا ودعما من أطراف كثيرة في الداخل وفي الخارج ودعوني اصدق ما حلمت به في مقال سابق تحت عنوان “ثنائية الجيش والسلطة ” بان يكون الجيش الوطني الشعبي الاستثناء في الجيوش العربية ويعيد أمانة الحكم إلى صاحبها “فخامة الشعب ” ويدخل بذلك التاريخ من بابه الواسع .

           إن الدعوة الواضحة بالإسراع في إنشاء لجنة مستقلة للإشراف ومراقبة الانتخابات إصرار على أن تكون ذات مصداقية مع العلم أن ذلك يتطلب الوقت الذي تقتضيه الاجتهادات القانونية  والمشاورات الضرورية لإنجاز المهمة، وقد يفهم من هذا اعتراف ضمني  باستحالة إجراء تلك الانتخابات في الموعد المحدد وإمكانية تأجيلها حتى تتهيأ الضر وف.

          إن التناغم مع ما يصرح به الجيش  لا يعني تفويضا له ولا أعطائه صك على بياض أو تطبيقا لأجندة لا نعلمها بل هو صلب غاياتنا في تأسيس الديمقراطية المنشودة والتي أول دعائمها الانتخاب الحر والشفاف والذي يتطلب منا جميعا حراكا وطبقة سياسية ومجتمع مدني أن نشرع جادين في تكوين اللجنة التي تشرف عليها، فلنشمِّر على سواعدنا  وستكشف لنا الأيام صدق الناوية لكل طرف من عدمه .

          نقول للإخوان الذين يطالبون بإلحاح بمرحلة انتقالية لإرساء القواعد التي تبنى عليها دولة العدل، فأضمن وأقصر مرحلة انتقالية ستكون في عهدة أو عهدتين لرئيس وبرلمان منتخبين بحرية ويكونان الإطار الأمثل لطرح كل انشغالات المواطنين عن طريق ممثليهم المنتخبين لان بناء  نضام  العدل والقانون والمساواة الذي يلبي رغبات جميع شرائح الشعب على اختلاف مشاربهم ليس بالأمر الهين خاصة في وضعنا الحالي الذي يسوده التشنج وعدم التعود على الحوار الهادئ بسبب التصحر السياسي والاختراق الثقافي وانحراف سلم القيم لدى فئات كبيرة من المجتمع جراء الفساد الذي طال جميع مؤسسات الدولة والمجتمع، ولنا أن نتأسى بمن سبقنا بالتحاور داخل المؤسسات المنتخبة مهما شابها من عيوب كما هو الحال في تونس الشقيقة مثلا عوض  حوار الشارع وما انجر عليه من ويلات في غيرها.

          كما نقول للذين يصرون على إقحام الجيش، أتريدون  أن ” تكونوا ملكيين أكثر من الملك ” إن موقف الجيش مؤشر على انه لا يرغب  في الخوض المباشر في معترك السياسة وان ما يقوم به من إجراءات اليوم يدخل في صلب مهامه الدستورية لحماية مصالح الشعب والوطن خاصة وان الكل يجمع انه المؤسسة الوحيدة التي ضلت متماسكة وان موقفها اليوم اكبر دليل على وطنيتها وتطهيرها من بعض العناصر التي تريد ارتهانها للخارج وإشغالها في مهام غير مهامها، كذلك الذي صرح للصحفي الفرنسي ” نيكولا  بو ” ذات يوم أن على فرنسا أن تعتمد عليهم في محاربة ” الإرهاب ” لأنهم يمثلون ” آخر الأقدام السوداء ” ؛ ونحن نعلم ما فعلته التأثيرات الخارجية في جرِّ عملائها في جيوش بعض الدول للانقلاب والتنكيل بشعوبهم، وجيشنا نحن يتعهد أمام الله وأمام الناس بأنه لا يقبل  أن تسيل قطرة دم واحدة لمواطن جزائري .

          إذا عوض أن نبقى نكيل التهم لبعضنا البعض أو أن نشكك في كل ما يصدر عن غيرنا علينا أن نوحد جهودنا وان نتعاون في بناء دولتنا الموحدة على أساس الثوابت الجامعة التي نصت عليها كل المواثيق الوطنية منذ نشأة الحركة الإصلاحية والوطنية دون إقصاء أو تهميش أو تخوين. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

          فكما حرر الجزائر الجميع يجب أن ينْعَم فيها بتلك الحرية الجميع .

الوادي في 23/05/2019 

د. محمد جاب الله

تعليق واحد

  1. السيد مجمد جاب الله ، لعلك تتوجس خيفة من تربص الأعداء ، أعداء الجزائر المتسترين من وراء أكثر من قناع ، من الذين أرهبهم كثيرا سماع العبارة المدوية : ” جيش – شعب = خاوة خاوة ، إلا أن ما بات ينغص كثيرا عل الجزائريات و الجزائريين ، هو تجاهل قيادة الأركان لمبادرة ثلة من أبناء الجزائر الأحرار ، أحي مجمد ، اعلم أن من يتجاهل هذه المبادرة الصادقة ، هو في حقيقة الأمر يتجاهل تطلعات كل الجزائريين ، محسنهم و مسيئهم ، إلى دولة الحرية و الكرامة و العدل و المساواة ، و على هذا الأساس وجب أن نتوجه بااسؤال إلى السلطة الفعلية : ما هي مآخذكم على هذه المبادرة ، التي هي بمثابة الفرصة الذهبية التي لا تقدر بثمن ، مثلما أن حرمة دم أي جزائري ، لا يمكن أن نحتلف بخصوص عظمة من يجتهد لأن تكون هي أولى الأولويات ، و مثل هذا يغضب كثيرا ، أولئك المعروفين بالتخلاط ، على شاكلة من كانوا سببا في كل المأساة .

Exit mobile version