أيها الجزائريون والجزائريات: شعبا ونخبا، حكاما ومحكومين، رجالا ونساء، شيبا وشبابا، أحزابا وجمعيات ومنظمات، ورجال أعمال وعمال، وجيشا وشرطة ودركا وأمنا.. إن روح نوفمبر ترفرف علينا من جديد، لتمنحنا قوة جديدة، وحياة جديدة بفضل الله تعالى، كما منحتها لنا من قبل وأخرجتنا من ظلمات الاستعمار إلى نور الاستقلال والحرية، ولو كانا منقوصين بسبب الأخطاء التي ارتكبتها بعض النخب في حق الثورة العظيمة، فاحتضنوا جميعا بوعي وإخلاص وصدق وشهامة وتسامي، هذه الروح التي عادت إليكم اليوم، ولا تخذلوها ولا تشوهوها بالتصرفات والمواقف السيئة، ولا تدنِّسوها بالأغراض والمطامع الخاصة، والحسابات الفردية أو العائلية أو الفئوية أو الجهوية الضيقة، وأخلصوا لها نياتكم، واصدقوا مع الله والوطن فيها، كما أخلص لها الأولون، وصدقوا مع الله فيها، فمنحهم الله الاستقلال والحرية وكتبهم في الخالدين، ولا يضيرهم من غيَّر أو بدل أو خان الأمانة بعدهم، فقد وقع أجرهم على الله، ووقع وزر الخذلان والخيانة على من حول الأمانة العامة للمجتمع إلى مغنم أو منهَبة خاصة.

أيها الجزائريون والجزائريات: كيفما كنتم، وأينما كنتم، ومن كنتم.. استجيبوا لروح ثورة نوفمبر العظيمة التي تغمركم هذه الأيام، وللطموح نحو الأفضل، واحتضنوهما من جديد، وأوفوا لقيمهما في الحرية والكرامة والأخوة والإخلاص والصدق، والتوق إلى ما هو أفضل، فإنها كفيلة بأن تمنحكم ما تريدون بإذن الله تعالى، كما منحته لكم من قبل.

أيها الجزائريون والجزائريات : كيفما كنتم، وأينما كنتم، ومن كنتم.. ارتفعوا جميعا إلى مستوى روحية وأخلاقية وإنسانية ثورة نوفمبر العظيمة، التي ترفرف عليكم روحها اليوم، لتأخذ بأيدكم جميعا إلى مرحلة جديدة من مسيرة نهضة مجتمعكم، حيث تبنون فيها جميعا جمهورية جزائرية ديمقراطية شعبية حقيقية، ضمن إطار المبادئ الإسلامية، كما حلم بها الشهداء والمجاهدون وكل جزائري، وكما نحلم بها اليوم جميعا، تتكافأ فيها الضمانات القانونية والفرص الاجتماعية والحقوق المدنية بين جميع الجزائريين والجزائريات، وينفتح فيها المجال واسعا أمام جميع الطاقات والكفاءات والعبقريات والخبرات الوطنية، لتتنافس فيما بينها، وتتكامل جهودها جميعا في خدمة نهضة المجتمع الجزائري، وتبوِيئه المكانة التي يستحقها في الفضاء المغاربي والعربي والإفريقي والعالمي.

  أيها الجزائريون والجزائريات: استوعبوا اللحظة التاريخية الفاصلة التي يمر بها مجتمعكم، والتي سيكون لها ما بعدها من التأثير الحاسم عليكم وعلى الفضاءات المجتمعية المحيطة بكم، وتجندوا لها جميعا كيفما كنتم، وأينما كنتم، ومن كنتم؛ نخبا أو حكاما أو محكومين، رجالا أو نساء، شيبا أو شبابا، أحزابا أو جمعيات أو منظمات، رجال أعمال أو عمال، جيشا أو شرطة أو دركا أو أمنا.. فأنتم جميعا في سفينة واحدة تخوض عباب بحر متلاطم لا يرحم، يجب على كل واحد منكم أن يحرسها ويحميها بأعز وأقوى ما يملك، حتى تصل بكم إلى بر الأمان إن شاء الله تعالى.

أيها الجزائريون والجزئريات: توحدوا وارتفعوا على مصالحكم وجراحاتكم وحساباتكم الخاصة، واصنعوا معا التغيير والإصلاح السياسي المطلوب والممكن، من أجل الأجيال الحاضرة كلها، ومن أجل الأجيال القادمة كلها، واحذروا الخيانة لأمانة الشهداء، وأمانة الأجيال الحاضرة، وأمانة الأجيال القادمة، والخذلان والخيانة لآمال الشعوب التي ترقب هبتنا الوطنية الكبرى، ولا تصنعوا سرَّاقا ومغتالين وخاذلين جددا للثورات والهبات الاجتماعية، من الزعماء والمنظمات والفئات والشعارات والرموز مهما كانت، ومهما كان حبنا واحترامنا وتقديرنا لها ولجهودها.

أيها الجزائريون والجزائريات: إن تاريخنا القريب والبعيد، وتاريخ العالم من حولنا، يعلمنا بأن المجتمعات والأجيال هي التي تصنع طواغيتها وجلاديها ومغتالي آمالها وخاذلي هبَّاتها الاجتماعية في كثير من الأحيان! عندما تغيب عنها سنن التغيير والإصلاح والتجديد، وتستولي عليها الغرائز السفلية، وتفقد موازين التقييم والحكم الصحيح على الأشخاص والمنظمات والرموز والشعارات والأعمال.. وتستبدلها بالأصنام التي تعكف عليها دهرا من الزمن ترددها وتواليها، وتنتصر لها، وتخاصم من أجلها، وتربط مصائر الأفراد والمجتمع بها، ولا تستفيق إلا على طوفان الفساد وقد انفجر من تحتها ومن فوقها، ليجرفها ويجرف المجتمع معها نحو الهاوية، لتبدأ مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح والتجديد على أسس ومنطلقات وضوابط وعقود ومواثيق اجتماعية صحيحة.

 وسنة الله في المجتمعات هي أنه عندما تغيب الفكرة يبزغ الصنم، وعندما يبزغ الصنم، تنتعش معه الغرائز وتتعاظم أخطارها، وعندما تبزغ الفكرة يغيب الصنم، وتعتدل الغرائز ويعظم نفعها.

ولهذا فإن أهم ما ينبغي أن تنتبهوا إليه أيها الجزائريون والجزائريات، وتحذروا منه أشد الحذر، وأنتم تقبلون على نوفمبر جديد يضعكم في عمق التاريخ، ويحملكم إلى عمق إلى عمق المسقبل الواعد بإذن الله تعالى، هو الأصنام! أشخاصا كانت هذه الأصنام، أم شعارات، أم تنظيمات، أم غرائز ومصالح ضيقة، أم أوهاما.. فإن هذه الأصنام هي أعدى أعداء الهبَّات الاجتماعية وخاصة في مراحل التأسيس لهذه الهبات، وإيقافها على أرجلها أو سوقها. إن كل هبة اجتماعية تُشخْصَن، أو تقوْلب، أو تغرْزَن، أو تتسرب إليها روح الغنيمة، أو الغرور، أو الانتقام.. فمصيرها مثل سابقاتها، ووبالها على أصحابها والمشايعين لهم والساكتين عليهم، محتوم بحكم سنن الله في الحياة. ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ).

أيها الجزائريون والجزائريات: حتى تتجنب هبتكم الاجتماعية المباركة كل هذه المخاطر، ضعوا نصب أعينكم جميعا أن موازين تقييم الرجال والنساء ومنحهم الثقة في قيادة هبتكم الاجتماعية المباركة، تكون بقدر ما تلاحظونه في حياتهم وتصرفاتهم ومواقفهم من الصدق والإخلاص، والأمانة والظافة، والرسالية والوعي بسنن إدارة الحياة، والتجرد للمصالح العامة، والتماهي معها، والتفاني في خدمتها، ومن الترفع عن الحظوظ الخاصة، ومن التورع عن المغانم العاجلة، ومن الحب الحقيقي للجزائر والجزائريين، ومن الاستيعاب لثوابت المجتمع والتشبع بها ظاهرا وباطنا.

 زنوا الجميع بهذه الموازين، واحكموا عليهم من خلالها، واقتربوا منهم أو ابتعدوا عنهم بقدر ذلك. فإن فعلتم ذلك فقد وفرتم لهبتكم شروط نجاحها وأسباب حمايتها والمحافظة على منجزاتها بإذن الله تعالى. (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

تعليق واحد

  1. يتوجه الشيخ الطيب برغوث بتوجيهات الى الشعب بالقول: أيها الجزائريون والجزائريات ، مما يوحي بوجود صحوة اجتماعية متفردة تاريخا وأخلاقا ، لها من الخصوصية ما جعلها في حراكها فوق كل التوقعات والحسابات الضيقة ، لعل مثل هذه الصحوة في أبعادها النفسية و الثقافية تعيدنا الى وعينا الجمعي والحضاري الذي غاب عن رؤانا كثيرا ، وعلى هذا الأساس وجب مقاربة ملفات الساعة مقاربة عابرة لكل العوائق والاكراهات ، وفق ما أشار اليه الأستاذ بصفة موجزة .

Exit mobile version