أبحث في عيناي المرهفتين عبر مرآة عاكسة، وأستعين بنظارات مختلفة مزودة  بعدسات اصطناعية، كي أرى عُشُرَ ماكنت أراه بالعين المجرّدة، وأتمتم بداخلي سائلاً  عن سرّ جمود السائل الذي كان  يُسهّل تأدية وظيفة عيناي بإحكام، ويبعث برسائل الحبّ والعاطفة الجياشة…الى من أعرف ومن لا أعرف…

و على بوصلة تثبت طريقي الصحيح، بعد الموجات العاتية التي عصفت بأحلامي وأخرجتني من بحر الآفاق، ووضعتني على شاطئ الانتظار المزمن…

وعن سرّ التجاعيد التي ظهرت في الجفون …وعن النظرة الحادة التي أصبحت تقتحم كلّ  زوايا مجالسي…

أتساءل: عن تلك الابتسامة التي كانت تملأ المحيا، وعن تلك الكلمات المتواضعة، البليغة، المؤثرة في من حولنا… التي كانت  تخرج  بعفوية   ودون عناء و حساب…  فلم نتعلمها في الجامعة ولم نقرأها في أيّ كتاب…

كانت فقط مجرّد الفطرة هي من يبعثها، ويمدّهها بالطاقة المتجددة كلما انكمشت المفردات.

كان من يلتقيني أو يعرفني…يصفني بالسعيد، ويسأل عن سرّ سعادتي ومن أين أكتسبها ؟  بل  كيف لي أن أسعد وأنا بالي الثياب…؟

كلّ من تقاطعت معه في الطريق تشبث باللقاء معي أو أصبح من أصدقائي…

كانت كلّ أعراس القرية أعراسي، وكلّ الزوجات والأزواج إخواني وأخواتي… أفرح بجوارحي معهم… وكل الآباء والأمهات هم مني وأنا منهم…فكم من عمّ وكم من خال…  لم تكن تربطني بهم أيّ قرابة ومع ذلك أناديهم بكل الأسماء العائلية !

لم أكن أعرف عدد الأصدقاء ولا عدد المعجبين …لأنني كنت لا أعرف عدوّا…

لم أكن أرى الأثرياء والمترفين…لم يكن في بيتنا جهاز تلفاز ولا كهرباء…ولم نكن نمتلك السيارة، ولا ركوب الباخرة والطائرة…بل كنا نتنقل يوميا على الحمر ونأتي بالماء من بعيد…

كانت كلّ الأشياء الموجودة حاليا في بيتي المتواضع وأنا بأوربا، غير متوفرة آنذاك …ومع ذلك كانت البسمة لا تفارقني…

أفتش اليوم تارة وأخرى عن تلك البسمة التي اختفت من محياي وأسأل نفسي: أين ذهبت ولماذا؟ أسألها:  عن سرّ التحول الذي حدث في فيزيولوجيتي وكيف انتقلتُ من عالم الوجه الطّلق المبتسم الى عالم آخر لم أجد له تسمية بعد…

أسأل عن الأسباب هل هي شخصية وخاصة… أم تدخل في إطار التأثر بالجو العام  بما جرى في المجتمع  والعالم من تحولات وهزات واضطرابات… وهل له علاقة مباشرة بأيام الفتنة التي لم تنته تداعياتها بعد؟

أغوص في دهاليز ذاكرتي ، كي أعثر على بعض المحطات وأتوقف فيها مطولا ، ربما أجد فيها بعض الذكريات الجميلة وما يسرّ الفؤاء  ويغير من  رتابة اليوم…ويدفع ما تبقى من ساعات العمر كي تحافظ على شعرة الأمل وأن لا تسقط في فخ اليأس وتخسر الدارين.

أعود لأسأل بدوري كما ما سُئلت من قبل حول سرّ السعادة، مع الثياب البالي:

 كيف لا أسعد وكل ملاذ الحياة أمامي؟

كيف لسمكة أن تعيش خارج الماء، وللاجئ في دولة استعمرت بلاده وقتلت من العائلة عدد لا يُستهان به ، وكيف لعصفور مكسور الجناحين يعيش في قفص، ولغزالة أو أسد في حديقة اصطناعية؟

وكيف لمن فقد أبويه… أن يبتسم؟

إنها الصحة، إنه الشباب، إنها الفطرة، إنها البراءة، إنها الحرية، إنها السيادة، إنه الأمن بكل تفرعاته، إنها القناعة، إنها القيم المختلفة، إنه الحبّ، إنها حرارة وحنان الأسرة، إنه الدين النقي من الرياء والسمعة والتكلف والتنطع… ومتى ما عادت هذه الأشياء الى طبيعتها الأصلية عادت الابتسامة، وعادت معها كل الأشياء الجميلة.

نورالدين خبابة
25 سبتمبر2016

تعليق واحد

  1. Rédha BENDRIDI بتاريخ

    URGENT: CATASTROPHE EN ALGERIE.
    Le Mossad et d’autres services secrets activent en Algérie et participent dans des crimes contre l’humanité en collaboration avec la mafia qui gouverne l’Algérie.
    Veuillez consulter ma page facebook redha bendridi, il y a plus d’informations.
    redhabendridi@gmail.com

Exit mobile version