كثيرٌ من الفرنسيين ناصروا منتخبهم الوطني الى آخر لحظة، وكانوا يظنون أنهم سينالون الكأس، خاصة بعدما هزموا الفريق الألماني… وبعد المقابلة، هنّأوا خصمهم البرتغالي، على أرضهم التي احتضنت المنافسة، دون أية عقدة، ولو أن الحزن بادٍ على وجوههم…

وتركوا البرتغاليين ومن معهم، يحتفلون الى وقت متأخر من الليل بهذا الفوز الذي كانوا يهيئون له الأنفس، وذهبوا الى أشغالهم دون أن يتأخروا عن العمل.. ودون أن يحرقوا بيوتهم أو يكسّروا مؤسساتهم أو يحرقوا حافلاتهم أو يغلقوا طرقاتهم.. أو يعتدوا على جيرانهم.. هذا هو الجو العام.. مع الحالات الشاذة التي تسجل في كل المجتمعات..

إنها مقابلة في كرة القدم، تنته بفائز وانتهى الأمر.. وكرة القدم مع أنها أفيون الشعوب، الاّ أن حال الفرنسيين يختلف عن حال إخواننا في المغرب العربي، وفي الدول العربية بصفة عامة..

في فرنسا: خرج بعض الجزائريين يحتفلون مع البرتغاليين نكاية في الفرنسيين.. وهذا أمرٌ يمكن تفهمه لعدة اعتبارات..

ولكن الذي يدعو للدهشة هو أن يخرج الجزائريون في الجزائر الى الشوارع يحتفلون مع البرتغاليين.. وكأن البرتغال دولة لم تحتل الجزائر؟

يحتفلون مع البرتغال، لأن بن زيمة لم يلعب في هذه المقابلة مع فرنسا.. ولو أن بن زيمة حمل الألوان الفرنسية ولعب.. لقالت الجماهير نحن نساند فريقا لا نساند وطنا.. كما حدث مع اللاعب السابق زين الدين زيدان.. وهكذا الشأن لبعض الفرنسيين المتعصبين الذين يرون أن اللاعبين من أصول افريقية، ليسوا فرنسيين، بل محاربين يدافعون عن ألوان فرنسا الوطنية..

هناك فرق إذن بين الوطنية، وبين العصبية.. وهنا أسأل: ماذا لو جرت هذه المقابلة النهائية في الجزائر، وفاز مثلا المنتخب التونسي أو المنتخب المغربي على المنتخب الجزائري، ماذا كان سيحدث؟ لكم أن تتصوروا..

ماذا لو جرت هذه المنافسات في المغرب أو تونس وكان المنتصر جزائريا؟ ماذا كان سيحدث؟

ماذا لو جرت هذه المنافسات في مصر وفاز المنتخب الجزائري أو العكس، ماذا كان سيحدث؟

علينا أن ننظر بعمق إلى القضية والبحث عن الخلل، لا أن ننظر سطحيا الى المسألة فالأمر جلل.. إذا كانت المقابلة بالنسبة للفرنسيين مجرد منافسة في إطار محدد، مع الاستعمال السياسي والاقتصادي والاعلامي طبعا، فمهما كان حجم المبالغة والاستغلال، فإنه يختلف عما يجري على أرضنا وفي إعلامنا أيها الإخوة…

لقد رأيت شابا جزائريا، انتقل من ألمانيا إلى فرنسا ليناصر الفريق الألماني ضد فرنسا، وكان يحضر نفسه لاستغلال الحدث وتوظيفيه على شبكة الفيسبوك ولما انهزم الفريق الألماني وخاب ظنه، بدأ يستعمل بعض الأغاني المشروخة ليخفي خيبته.. وكأن أجداده في الجزائر لم يذهبوا لمقاتلة ألمانيا مع “فرنسا”؟ ولو أن هذا الأخير يحتاج إلى تفصيل..

نعم لقد انهزم الفريق الفرنسي أمام الفريق البرتغالي، ولكن: كم من برتغالي على أرض فرنسا يأتي ليطلب العيش فيها ويشيد المباني؟ وكم من جزائري يعيش على أرض فرنسا، فيما أرض أجداده بور في الجزائر؟

هل انهزم عطر فرنسا، هل انهزمت ملابسها الداخلية التي تزين أعراس الجزائريين والجزائريات؟ هل انهزمت ألبانها وأجبانها ومياهها ومشروباتها المختلفة؟ هل انهزم منظف المؤخرات الذي لا يكاد بيت الخلاء يخلوا منه.. هل انهزمت محلات الشانزيلزي وسان لازار  ووو؟

ماذا ربحت الجزائر في المقابل اقتصاديا أو سياسيا أو إعلاميا.. بانهزام الفريق الفرنسي، وفوز الفريق البرتغالي؟

أيها السادة: لقد حققت فرنسا مداخيل كبيرة اقتصاديا في هذه المنافسة، ووظفت الآلاف من الفرنسيين ومن غيرهم.. فيما بعض إخواننا الجزائريين في الجزائر مع الأسف لا يجدون ما يشربونه في هذا الصيف الحارق وهم قابعون أمام التلفاز.. وهم يبيعون لأنفسهم نصرًا وهميًا.

نور الدين خبابة
11 جويلية 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version