مرت الذكرى العاشرة لحرب العراق دون أن تتناولها الأقلام بالتحليل إلا فيما نُدر من الشذرات، وهى ذكرى مثقلة، لا بالآلام التي يصعب تحملها، لكن لما بها من الدروس والعبر ما يمكنه أن يعاون القيادات المسلمة من تغيير الوضع المخجل للمسلمين على الصعيد العالمي. فالعراق ليست مجرد دولة شقيقة أو دولة من دول الجوار، وإنما هي جزء لا يتجزأ من أمة محمد عليه صلوات الله. أمة تهلهلت وكادت تذوب في غياهب الاقتلاع والضياع بسبب مواقف متعددة متكررة من الغدر والخيانة والتواطؤ والتنازلات المخزية.

في عام 1991 أعلن جيمس بيكر، وزير خارجية أمريكا آنذاك، قائلا :

سنهدم العراق ونعيده للعصر الحجري ! وكان لهم ما أرادوه وما أعلنوه بفضل تواطؤ أو صمت بعض قياداتنا المسلمة..  

تحول العراق إلى بلد الأشباح واليتامى والأرامل ، تحول العراق الذى دكوه واعتصروه نهبا وظلما وإجراما إلى مفرخة للسرطانات والأوبئة.. أطفال يولدون بلا عيون ، برأسين أو ثلاثة ، أطفال مصابون بأورام خبيثة، بلا أعضاء أساسية أو بأطراف ناقصة أو زائدة، والتشوهات فى تزايد وأسوأ مما كان عليه الوضع في هيروشيما ونجازاكي.  

فبعد عشر سنوات من الحظر والعقوبات الاقتصادية الطاحنة تم استخدام كل قوى الجيش الأمريكي لهلهلة ما تبقى من الاقتصاد العراقي وبنياته التحتية ونسيجه الاجتماعي. لقد دك الجيش الأمريكي المصانع والمدارس والجامعات والمستشفيات والمتاحف ومحطات الطاقة ومحطات المياه، وتواطأت كافة وسائل الإعلام الأمريكية والغربية للترويج لهذه الحرب اعتمادا على أكاذيب هم أول من يعلم تلفيقها، وتبارت في اختلاق حجج وبراهين على امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل التي لم يكن لها أي وجود. كما تبارت نفس أجهزة الإعلام في التعتيم على بشاعة هذه الحرب وتوابعها الكاسحة. فهذه الحرب المتفردة فى إجرامها و وحشيتها تمثل منحنى أساسي في تاريخ الإمبريالية الأمريكية، وخلقت الظروف المواتية لتكثيف الحرب في أفغانستان وانتشار عربدة رعاة البقر و مجرميها. فقد صيغت فى إطار استراتيجية أمريكية تسعى منذ فترة طويلة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط لضمان المصالح الصهيوـ أمريكية والسيطرة على منابع الثروات فى المنطقة. وشارك الاتحاد الأوروبي في هذه الحروب التي اندلعت منذ 1991 وحركها اللوبي الصهيوني المتحكم في البنتاجون وفى البيت البيض.   

فمن 1991 إلى 2003 ، أيام الحظر المفروض، الذى تم فيه المنع الصارم حتى على الأدوية والمعدات الطبية، توفى مليون عراقي، نصفهم من الأطفال، نتيجة للمجاعة الاقتصادية المفروضة.  عشر سنوات من الاحتلال الدامي دمرت دولة ذات سيادة، كانت تمثل واحدة من أكثر البلدان تقدما في الشرق الأوسط.. وفيما بين 2003 و2013، أيام الحرب الكاسحة التي انهال فيها أعنف طوفان من القذائف عرفته البشرية على سماء بغداد، والتي استخدمت فيها أمريكا اليورانيوم المخضب والفوسفور الأبيض المحرم استخدامها دوليا وغيرها من الأسلحة التدميرية الفتاكة، تم اغتيال أكثر من مليون ونصف من العراقيين، وأكثر من مليون مفقود، بخلاف النازحين وسط النيران وقد تعدوا الأربعة ملايين ونصف، أي أكثر من سبعة ملايين من تعداد واحد وثلاثين مليونا! إضافة إلى هجرة شريحة من الدارسين المحترفين وعشرات الآلاف الذين تم سجنهم بلا محاكمة وبلا أي ذنب واُلقى بهم في غياهب السجون العلنية والسرية على أيدى فصائل الموت التي تم تدريبها على التفنن في التعذيب والقتل ألماً ومهانة، بزعم حرب دارت تحت مسمى “حق الدفاع الوقائي”!   

إن الوضع الإنساني المتأزم بعد غزو العراق يعد الأسوأ في العالم. فحوالى نصف التعداد هناك يعيشون في عشوائيات غير صالحة للاستخدام الآدمي ، وأحد عشر مليونا بحاجة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة، و70% منهم لا يجدون المياه الصالحة للشرب. وأدت عدوى اليورانيوم المخضب والتلوثات الكيماوية الأخرى إلى زيادة التشوهات الخلقية والسرطانات : ففي العراق يموت أربعون الف طفل من دون الخامسة كل عام، وأكثر من نصف مليون طفل يعانون من سوء التغذية، وحوالى مليون شاب وطفل بين الخامسة والرابعة عشر مجبرون على العمل فى محاولة يائسة لإحياء البلاد بعد دكها وإعادتها إلى ما قبل العصر الحجري..

وبعد الغزو ترك العدو الأمريكي اثني عشرة الف موقعا أثريا منهوبا مدكوكاً، وسرقة مقتنيات المتحف القومي في بغداد قبل الغزو بأيام، منها خمسة عشر الف قطعة فريدة تمثل أصالة الحضارة العراقية ولا تقدر قيمتها بأي مال.

وانسحاب الفرق العسكرية من العراق أو من افغانستان لا يعنى أن موجة الحروب الضارية تنسحب، وإنما هي تلملم شتاتها ومنابعها العسكرية لاستخدامها في ضربات قادمة ، معلن عنها، أكثر أهمية في أماكن أخرى. وما يُشجع وقاحة وعجرفة الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك هو ، يقينا ، أن حرب العراق وجرائمها الثابت وقوعها على الملأ، ظلت بلا أية محاسبة للآن. وكلها جرائم ضد الإنسانية. وقد وصلت هذه العربدة إلى ذروتها في عهد أوباما الذى طالب بحق اغتيال من يشاء دون تقديم أسباب أو اتهامات ! كما قد أعلن المحافظون الجدد في عهده قائلين : “أن مسلمو الشرق الأوسط أعداؤنا” ..   

لقد تم احتلال العراق عسكريا واقتصاديا بعد دكه تماما، ويحوم حوله وعليه المستثمرون الأجانب وشركات البترول الأمريكية إذ أن عائد البترول في العراق يُتوقع له أن يرتفع إلى مائة مليار دولار في السنة او السنتين القادمتين ، وهو ما يكفى لإعادة إعماره ويزيد إن كان في أيدى أصحابه..

لقد قررت الحفنة الصهيو- صليبية المتحكمة في العالم تفتيت الشرق الأوسط مثلما تم تفتيت بلاد البلقان والعراق وأفغانستان، لتحقيق فرية إسرائيل الكبرى، وصرح أوباما أثناء زيارته في الأيام الماضية للكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين قائلا : “إن أرض فلسطين تاريخيا هي أرض يهودية”..

 فما الذى ينتظره قادتنا المسلمون ليفيقوا من غفوتهم المهينة في حق الإسلام والمسلمين ؟!  

                                                                                               
د. زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
28 مارس 2013

3 تعليقات

  1. Abdelkader Dehbi بتاريخ

    RE: الذكرى… والصمت، في حرب العراق !
    إنٌ القلوب لتشمئزٌ وإنٌ النفوس لتقشعرٌ لما ترتب عنه الغزو الإمبريالي الصهيوني للعراق من كوارث إنسانية واقتصادية واجتماعية، أطاحت بكرامة شعب بكامله في هوية الجوع والخوف والعنف والفقر والأمراض الفتاكة وتراجع الأخلاق… وكل هذا، على علم يقين من “الزعماء” و “العلماء” و “لأقلام” لهذه الأمة. وكأنما العراق انتها تاريخه إلى الأبد، وطويت صفحته كشعب من أبناء لحمتنا ووطن مجيد في تاريخنا وموطن من أبرز مواطن الحضارة والثقافة العربية الإسلامية القديمة والحديثة.
    وتقوم كعادتها، الأستاذة الكريمة السيدة الدكتورة زينب عبدالعزيز، لتحاول سدٌ الفراغ الساحق الذي خلفته السنون من الصمت والتخاذل، وثقافة الانهزام التي أصبحت بمثابة “سياسة”.
    جزاك الله خيرا وأثابك عن مسيرتك الطويلة في نصرة هذه لأمة، أيتها الأستاذة الكريمة التي لم يعجزها المرض ولا السنون، ولا صمت الرعاديد، المغفلين عن ريب المنون.

  2. un arabe écoorché بتاريخ

    RE: الذكرى… والصمت، في حرب العراق !
    soeur Zaynab je compatis a votre douleur et Dieu Sait si mes larmes coulent tous les jours face à la destruction programmée du monde arabo-musulman depuis le déclenchement de la guerre irako-iranienne que feu Boumediène a essayé d’arreter avec l’accord d’Alger 1976 EN INVITANT hASSEN eL Bakr et le Shah.Mais c’était sans compter avec les monarchies meurtrières du Golfe et de l’Arabie qui n’ont pas raté une occasion pour prouver leur alliance avec le diable : a commencer par les fils du Cherif Hussein qui ont offert le Cham a la France et l’Angleterre en 1918 , jusqu’ au Saoud qui ont vendu la palestine et poussé Saddam Hussein contre la jeune République islamique d’Iran , en passant par le roitelet Hussein de Jordanie qui a vendu la mèche la veille de la guerre d’octobre.je me rappelle bien étant universitaire à l’époque les commentaires de la presse libanaise financée par les princes qui vantaient les mérites du soldat irakien qui “défendait l’arabité” contre “le péril sassanide”.JE ME RAPPELLE BIEN DU FILM AL QADISSIA QUI éRIGEAIT SADDAM hUSSEIN EN SAUVEUR BATTANT a plate couture les perses de Khomeiny.On se souvient aussi , la guerre finie , du bilan (un million d’Iraniens massacrés et 500000 irakiens sacrifiés) grace à la bénédiction des pays du golfe et “les fatwas de leurs ulémas.”.On se souvient de Saddam devenu soudain l’ennemi a abattre pour les princes du Golfe qui se sont empressés d’ameuter toute la planète pour l’écraser.Ce sont les memes arabes qui l’ont poussé dans la gueule du loup , qui l’ont assiégé pendant 10 ans pour enfin ouvrir leur frontières et bases pour l’invasion du berceau de la civilisation.ce jour funeste de l’année 2003 restera gravé dans ma memoire car mon père a perdu l’usage de ses membres à la suite d’un pic de tension du aux evenements dramatiques que le télé d’Al jazera (des frères Frydman)transmettait sans vergogne , alors qu’el Arabia diffusait un chant victorieux pendant que les GI’s et leur felons trainaient la statue deSaddam.
    ma chère soeur le plan de la destruction a été préparé vers les années 80 et il suffit de consulter l’ouvrage du regrétté Garaudy “l’affaire israel” pour retrouver l’article du “jerusalem post” qui exposait le plan du partage du monde arabe”.Tout ce que le “congrès juif mondial” y a écrit noir sur blanc a été réalisé.Tous les ennemis désignés (Irak ,Liban,Soudan,Libye , Egypte,…) ont été terrassés sauf la Syrie de Bachar El ASSAD.lE COMBLE , c’est que l’exécutant n’est autre que le meme felon “l’arabe du desert”.
    Marx avait raison de dire “la religion est l’opium des peuples” les ulémas du golfe l’ont transformée en opium qui pousse des Kamikazes à rejoindre leurs “houris” en assassinant leurs correligionnaires.Quel comble. le mal absolu du monde arabo-musulman ces sont les pétromonarchies complices de l’occident et point de salut par la religion au pouvoir : il n y a qu’a voir ce qu’ont fait les islamistes en Algerie(j’en faisais partie avant de prendre conscience de leur inféodation au Qatar) , ce qu’ils ont en libye , en Irak ou ils choisissent de se faire exploser dans les mosquées chiites , en égypte ou ils massacrent leur compatriotes les coptes ,en syrie ou ils assassinent les grands ulémas.Tout cela au profit de qui?de Erdogan ce comédien qui se prend pour un nouveau Calife ottomans , ce juif des Donems? Ces combattant de la liberté ou trouvent-ils le culot d’aller se faire soigner àHaifa et Tel AVIV.Il faut se réveiller , l’ennemi est pârmi nous et travaille d’arrache pied a enterrer noptre nation.Celui a qui profite le crime c’est bien ISRAEL.
    la fraternité islamique on l’a vue avec les amis de la Syrie ou Hamed et autres porteurs de Gandoura embrasser Hollande , le premier ministre anglais , le chef des forces de l’Otan et le harceler pour qu’il aneantisse la Syrie.
    Hier enfin , j’ai appris que les frères musulamns d’Egypte ont adrEsse la prière du “choukr” lorsque les Israeliens ont battus les arabes en 67.
    décidément on n’a que faire de frères aussi implacables avec leurs propres correligionnares.Feu Khomeiny a bien dit un jour “IL Y a UN ISLAM MOHAMaDIEN ET UN ISLAM AMERICAIN” CQFD .

  3. khaled-dz بتاريخ

    Mr.
    الشاعر الكبير “أحمد فؤاد نجم” ورائعة جديدة يهديها للإخواجية

    الى الأمة العربية : بعد الـ”طز” لم يعد يليق بكِ التحية
    ================================

    الى الأمة العربية ..ما أخبار فلسطين .. شعب بلا وطن .. وطن بلا هوية ..
    ما أخبار لبنان .. ملهى ليلي كراسيه خشبية وطاولته طائفية
    ما أخبار سوريا .. تكالبت عليها سكاكين الهمجية
    ما أخبار العراق .. بلد الموت اللذيذ والرحلة فيه مجانية
    ما أخبار الأردن .. لا صوت ولا صورة والاشارة فيه وطنية
    ما أخبار مصر .. عروس بعد الثورة ضاجعها الاخونجية
    ما أخبار ليبيا .. بلدّ تحولّ الى معسكرات اسلحة وأفكار قبلية
    ما أخبار تونس .. انتعلّ رئاستها مهرجّ بدعوى الديمقراطية
    ما أخبار المغرب .. انتسب الى مجلس خليجي باسم الملكيّة
    ما أخبار الصومال .. علمها عند الله الذي لا تخفى عنه خفيّة
    ما أخبار السودان .. صارت بلدان والخير خيران باسم الحرية
    ما أخبار اليمن .. صالحها مسافر وطالحها كافر وشعبها قضيّة منسيّة
    ما أخبار عمان .. بلد بكل صدق لا تسمع عنه إلا في النشرات الجوية
    ما أخبار السعودية .. أرض تصدرّ التمر وزادت عليه الافكار الوهابية
    ما أخبار الامارات .. قبوّ سري جميل تحاك فيه كل المؤامرات السرية
    ما أخبار الكويت .. صارت ولاية عربية من الولايات المتحدة الامريكية
    ما أخبار البحرين .. شعب يموت ولا أحد يذكره في خطاباته النارية
    ما أخبار قطر .. عرابّة الثورات وخنجر الخيانات ومطبخ للامبريالية

    الى الأمة العربية .. بعد ” الطز ” لم يعد يليق بكِ التحية
    لم يعد يليق بكِ سوى النعيق والنهيق على أحلامك الوردية
    لم يعد يليق بكِ سوى أن تكوني سجادة تدوس عليها الأقدام الغربية
    لم يعد يليق بكِ شعارت الثورة حين صار ربيعك العربي مسرحية
    لم يعد يليق بكِ الحرية حين صارت صرخاتك كلها في الساحة دموية
    لم يعد يليق بكِ أن تصرخيّ بالاسلام وتهمتكِ بالأصل أنكِ ارهابية
    لم يعد يليق بك يا أمة مؤتمراتها مؤامرات وكلامها تفاهات وقراراتها وهمية
    لم يعد يليق بكِ التحيةّ .. يا أمة دفنت كرامتها وعروبتها تحت التراب .. وهي حية

Exit mobile version