“أُسكُت يا قلبي، فالفضاءُ يسمعُكَ […] أُسكُت يا قلبي، أُسكُت حتى الصباح، فمن يترقبْ الصباح صابِرًا، يلاقي الصباحَ قويًا، ومن يهوى النورَ فالنورُ يهواه.” (جبران خليل جبران، 1883-1931)

قرأتُ حروفَ النجومِ وحسرتي يا بلادي لا تنتهي، سقيتُ جذوعُ أعضائكِ وبقيتِ كجلمودِ صخرةٍ لا يبالي. فُقِستْ بيوضُ تعاستي فاستدعيتك لمناسكِ زفافِ جنازتي. أبيتِ دعوتي فغرقتُ في يمٍّ عميقٍ لا يباري. ضاقت عليّ جدرانُ القبرِ، وعتمةُ الخوفِ ترجرجُ وتقاضي. اندلعت ثورةٌ مهولةٌ بداخلِ أحشائي، فحاربتُ من دون هوادةٍ الدود والكساد، تدفقت ينابيعُ الصباحِ على مرأى عينيّ، فاستنهلتُ من سطورها قُروبَ اكتساحِ البغضاءِ والبرصاءِ. أخيرًا، تَنَفَسَتْ قدرةُ شكوكي الصعداءُ، فحتى النجومُ كاذبةٌ، سافرةٌ، وراشيةٌ لا تراني. فيا حسرتي لآهاتكِ ويا لوعتي على حال بلادي ومآلي. قولي لي، وأنتِ في نورِ الظلام تَبتَسمينَ وتهذين، فهل من حلٍّ أو منفذٍ عاجلٍ لصيحاتكِ، الدهاليسُ والكواليسُ كتيمةٌ ويتيمةٌ وعقيمةٌ، فكمْ تعدّدتِ الشرفاتُ والبابُ يبقى واحدٌ أوحد. أنهليني صبركِ أرجوكِ لأضاهي بهِ هناكَ في الأفُقِ البعيدِ سحابةَ يأسي. تدفأتُ بالصقيعِ ورقصتُ للأمواجِ وتمعّنتُ في الأحراشِ فانفلتَ مني كبريائي في هياجٍ ومواجٍ. انزلقتْ ساقاي على حافةِ صدماتي زلجةً، فوثبت وثبةَ الخضوعِ والنكساء والنكوصِ. لفّني ودفني بياضُ لحافِ كُفني، فلمْ أعِ بعدُ صدأَ جفوني وأهدابي. يا حسرتي يا بلادي، أصبحتُ أعمى لا أرى بحدةٍ، فنصحوني بالتداوي والتطابّي بالأعشابِ. قرأوا في قسماتِ وجهي الحَشُومِ الرأفةَ والحنان والحياء، فاستطالوا في العنجهيةِ والتغابي. فقلتُ لهم في سردِ الحوارِ أن متنَ شعر كذبهم بالٍ، لا يملكُ قافيةً ولا توازٍ. أبهروني سَأْمًا بقيئهم، فالتزمتُ المعاناةَ صامتًا، في البُعدِ والغربةِ والعزلةِ والحياد. من لمْ يستحِ فليفعلْ ما شاء والعاقبةُ على جُرمهِ تتبعهُ لاصقةً على التوالي، إن هو دارٍ أنهُ بنقمتهِ جانٍ، فالويلُ أبدَ الدهرِ لمن يلعب بالأشواقِ والأماني. حسرتي يا بلادي تزدادُ وتستفيضُ تهرُسًا، كلما رأيتكِ جاثمةً تحتَ معاولِ الأنباشِ والأوغادِ. تذكريني ولا تنسي نصيحتي، فاقتفاء أثرِ النصحِ من الرشادِ، اسمعي لحواسكِ وأنصتي لها، فصحّةُ الجوابِ في السدادِ، فكم من ألوفٍ قبلكِ تنكرت للنصح واستهترت، فأصبحت في الشوارع تترامى وتقاسي، فلا تأمني ضحكتهم الصفراء، أرجوكِ، فهيَ لعبتهمْ وعيشهم عليها بانٍ. حسرتي عليكِ يا بلادي وأنتِ في قبضتهم، ولنزواتهم وأهوائهم ورغباتهم، خاضعةٌ بإجبارٍ وتفان. تذكريني، وأنا في نعشِ مماتي أهلّل باسمكِ، فالنسيان سرطانٌ خبيثٌ لا يتداوى. يومها تصبحُ حروفُ النجومِ كلماتٌ والكلمات في جعبتكِ قواميسٌ جوارٍ. فيا حسرتي عليكِ يا بلادي، إن أنتِ لم تراع تكنيزها وسدلتِ عليها الستارَ في حِجْرِها تعاني، فيا حسرتي عليكِ يا بلاي.

كمال قروة
Kamal Guerroua
para Argelia
14 جويلية 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version