لا الحضور الشخصي، ولا ملء وإمضاء استمارة “SFP01″، ولا نسخة من بطاقة التعريف الوطنية مصادق عليها من طرف مصالح البلدية…، كل هذه الإجراءات مجتمعة لا تشفع لصاحبها بسحب مبلغ بسيط من حسابه البريدي الجاري، لأنّ إدارة بريد الجزائر أصدرت تعليمة داخلية تمنع بموجبها سحب أيّ مبلغ مالي مقابل صك لحامله مصحوب بصورة طبق الأصل لبطاقة التعريف الوطنية مصادق عليها في ظرف زمني يفوق الثلاثة أشهر.

بناء على هذا الإجراء البيروقراطي وغيره من السلوكات التي تتنافى مع خدمة المواطن، تتشهد وكالات بريد الجزائر في جميع أنحاء التراب الوطني مشاكل حادة ناجمة عن ضعف ورداءة الخدمات العمومية المقدمة من طرف مؤسسة عمومية لها الطابع التجاري والصناعي، رغم أنها في الواقع تتصرف بأفكار بيروقراطية يغذيها الاحتكار والذاتية وغياب الرقابة الإدارية والشعبية.

ولمعرفة ما يعانيه المواطن يوميا داخل أروقة مصالح هذه المؤسسة، أذكر حادثة بسيطة وقت عشية يوم الثلاثاء 3 ماي 2011 داخل القباضة الرئيسية لمقاطعة الدرارية بولاية الجزائر تتمثل في محاولة سحب مبلغ مالي من حسابي البريدي الجاري، قدره: 6000 دج؛ إذ بعد حضوري إلى مقر القباضة وأخذي لتذكرة الكترونية تحمل رقم 349، بقيت انتظر و حين وصل دوري، تقدّمت إلى الشباك رقم 2، أين كانت موظفة متحجّبة في استقبالي حيث أخذت مني التذكرة وبدأت في تفحّص الوثائق المقدّمة إلى أن وجدت النسخة الثانية لبطاقة التعريف الوطنية مصادق عليها في البلدية يوم 29 ديسمبر 2010، وهنا تنفست الصعداء وكلمتني بابتهاج: “لا يمكنك سحب المبلغ لأنّ الوثيقة ميتة”، فقلت لها عن أي وثيقة تتحدثين؟”، فردت عليّ: “تاريخ المصادقة على الصورة طبق الأصل من بطاقة التعريف تجاوز الثلاثة أشهر، ولدينا تعليمة تمنع من ذلك”، فقلت لها المبلغ ضئيل وأنا موجود وبطاقة التعريف الأصلية موجودة ومصالح البلدية مغلوقة وهذا حسابي وهذه أموالي، فهل من حل؟، فأجابتني ساخرة: “أنا لا أستطيع فعل أيّ شيء”، ثم واصلت عملها مع الزبون الموالي.

بعد اصطدامي بحاجز بيروقراطي لم يكن في الحسبان، تقدّمتُ للمفتشة الرئيسية المتحجّبة بدورها، طالبا منها التدخّل، فأجابتني هي الأخرى: “أنه رغم كل هذه الإجراءات، نحن نعاني المتاعب، وبالتالي فليس هناك أيّ حل للقضية”، فقلت لها: طبيعة المشاكل التي تعانون منها تتعلّق بالأخطاء المهنية المرتكبة والتي ليست لها صلة بهذا النوع من العمليات، وهنا واصلت عملها غير مبالية بي.

ومع مرور الوقت، إذ لم يبق عن موعد الغلق إلا حوالي نصف ساعة، قرّرت عرض مشكلتي على رئيس القباضة البريدية، فوجدت أبوابه مغلقة، لكن بعد سماع طرقات متتالية على باب المدخل، جاءني أمين الصندوق مطلا عليّ من الزجاج الداخلي، فقلت له افتح لي الباب لأتحدّث إليك، ففتح لي باب حجرة صغيرة مغلوقة شبيهة بخلية المحبوسين ليطل عليّ من جديد من نافذة صغيرة، قائلا: ماذا تريد؟، فعرضت عليه مشكلتي بالمختصر المفيد مسلّما أيّاه الأدلة.

لكن بعد تأكّده من صحة أقوالي وصدق نيتي ذهب لإشعار المسؤول الأول بالأمر، ثم جاءني ليخبرني بأنّ المسؤول غير قادر على حلّ هذه المشكلة الكبيرة، وهنا قلت له: أشكرك مغادرا المكان.

في اليوم الموالي، اتصلت في حدود الساعة التاسعة صباحا بوكالة العاشور، أين قمت بإيداع نفس الملف المرفوض من طرف قباضة الدرارية وحين وصل دوري، استقبلتني موظفة متحجّبة وأنيقة بصفة آلية لتسلّمني المبلغ المطلوب دون ثرثرة ولا أدنى حواجز بيروقراطية.

في ظل هذه الوقائع، أتساءل: أين الخلل؟ وأين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و وزير القطاع والمدير العام للمؤسسة والبرلماني والعناصر الفاعلة داخل الأحزاب والجمعيات و… و…؟

في انتظار الجواب الغائب كغياب هؤلاء، أقول أنّ الحقيقة أكثر من ذلك بحيث أنّ الإدارة المركزية لبريد الجزائر يبدو أنها مهتمة بافتعال الحواجز البروقراطية عوض اهتمامها بالمشاكل الحقيقية كبطاقات السحب الآلي التي تسلّم إلى ذوي الحسابات البريدية الجارية بناء على اعتبارات مجهولة، إذ هناك من يملك حسابا منذ بلوغ سن الثانوية ولم يتحصّل على بطاقته رغم أنه على أبواب التقاعد اليوم، وهناك من فتح حسابا حديثا وتحصّل على البطاقة بسرعة البرق.

يبدو أنّ أمر تزويد أصحاب الحسابات البريدية ببطاقات سحب الكترونية ليس من مهام لا المديرية العامة لبريد الجزائر، ولا من مهام الحكومة الجزائرية، رغم أنّ الأموال والرسومات الموجود في مركز الصكوك البريدية والتي يساهم بها أصحابها في تمويل هذه المؤسسة وغيرها كافية لتغطية احتياجات بلد بكامله.

عبد الله طمين
10 ماي 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version