من أهم ما كشفت عنه أحداث ثورة شباب25 يناير 2011 موقفك غير الأمين بالنسبة لمصر بعامة، وخاصة بالنسبة لشباب أتباعك الذين حرمتهم من المشاركة مع إخوانهم المسلمين، وفرضت عليهم الانفصال وكأنهم ليسوا من أبناء هذا الشعب، وعزلتهم داخل أسوار الكنيسة التي تحولت إلى دولة مارقة، كما فرضت عليهم مصادرة شرف التعبير عن الرأي من أجل اقتلاع النظام الفاسد، بل والأدهى من ذلك لقد قمت بترتيب مظاهرة تأييد ومساندة لمبارك يقودها ويسير فيها العديد قساوستك المتضامنين مع توجهاتك أو الخاضعين لك. وهو ما كشف عن تواطئك الشديد مع ذلك النظام وفساده، بل وبكاءك الحار على اقتلاعه..

 

وما هي إلا أيام معدودة حتى ارتفع صوتك لتركب الموجة، وتبارك نجاح هذه الثورة، وتطالب في نفس الوقت بكل جبروت بإلغاء المادة الثانية من الدستور!

وهنا لا بد من وقفة، لا لاستعراض كل ما قمت به من محاولات منذ أن توليت مقاليد كنيسة الأقباط في مصر، سنة 1971، والإعلان عن محاربة الإسلام والمسلمين بزعم أن نظام الحكم في مصر إسلامي معادى قائم على اضطهاد الأقباط! ولا يسع المجال هنا للتحدث عن كل ما قمت به من خيانات في حق الوطن، وفى حق المسلمين، بل وفى حق الأقباط الذين تضللهم بكل ما يتجرعونه منك من فريات وأغاليط، وما أكثرها، من قبيل اجتماعاتك مع مليشياتك في الغرب وترديد أن الأقباط في مصر مضطهدون دينيا من قِبل النظام المصري، والعمل على قلب نظام الحكم في مصر وتغيير دينها والمساس بأمنها بتقسيم البلاد لإقامة دولة دينية قبطية في جنوب مصر؛ أو القيام بتكديس الأسلحة في الأديرة تحسبا لمعركة تعد لها؛ أو فضيحة الاتجار بالبشر أو بأطفال الزنا التي فجّرتها السفارة الأمريكية في مصر وتورطت فيها ثلاثة أديرة، في القاهرة وبنى سويف ومرسى مطروح، وجميع قياداتها من الأقباط، والتربّح بالملايين من هذا الجُرم، و تفتق ذهنك كالمعتاد والقيام بتوجيه زبانيتك في الإعلام لتبرئة الكنيسة وإلقاء التهمة على المسلمين!..

لا، لن أتناول مطالبتك بمنح الأقباط في مصر حكما ذاتيا؛ أو الصمت على إنتاج الكنيسة مسرحية تسخر من الرسول عليه الصلاة والسلام؛ أو تدنى بعض القساوسة إلى أقل درجة الانحطاط والبذاءة في بعض الفضائيات لسب الإسلام ونبيه الكريم ؛ ولن أتناول وصفك الشريعة الإسلامية بأنها الأكثر عنصرية في العالم ؛ والمطالبة بحذف خانة الديانة من البطاقات الشخصية؛ أو إقامة المؤتمرات وخاصة ذلك المعروف باسم “مؤتمر ضد التمييز” في إبريل 2009، لمكافحة القرآن، والمطالبة بإلغاء تعليم القرآن ومسابقات تحفيظه؛ أو الإستقواء بالفاتيكان، ففي نوفمبر 2007 قام تنظيم مسمى “الأقباط الأحرار” بتقديم طلبا للفاتيكان لمساعدتهم من طغيان الحكم في مصر واضطهاده للأقباط مما يضطرهم إلى الهجرة؛ أو أحداث العمرانية الإجرامية التخريبية واستخدامهم الأسلحة والحجارة في ضرب رجال الأمن وتعطيل المرور وضرب مبنى المحافظة والمساس بأمن الشعب المصري بكل ما واكب هذا الإجرام الفاضح من تنازلات استفزازية من جانب الدولة المغلوبة على أمرها آنذاك والسكوت على كل ما قمتم به..

لا، سأترك كل هذا والمئات غيرها من الوقائع المشابهة، لأتوقف عند مطالبتك بإلغاء المادة الثانية من الدستور، التي تنص بوضوح على “أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة المصرية، وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع”.. وهذا المطلب الوقح لا يثير الفتنة في الدولة فحسب، وإنما يزيد النار اشتعالا في النفوس، في نفوس المسلمين، لكثرة ما قام به النظام الفاسد السابق من تنازلات في حق الإسلام والمسلمين، ترضية لك وللغرب المسيحي المتعصب الذي تستقوى به وتغمره بالمعلومات الكاذبة المغرضة ليقوم بتأييدك وتأييد مطالبك. ولا يسع المجال هنا لتناولها، وإنما سأكتفي بالإشارة إلى “مجمع أساقفة الشرق الأوسط” في أكتوبر الماضي، الذي قام بناء على الطلبات المرفوعة من تلك الأساقفة الكذبة، إلى بابا روما، يشكون له ما يعانون من اضطهاد ويطالبونه بالتدخل هو والهيئات الدولية المسيحية لإنقاذهم! وهو ما قام به البابا بنديكت 16 عند مطالبته رسميا للبرلمان الأوروبي بالتصرف، وهو يجاهد حاليا لإدخال حماية الأقباط والأقليات المسيحية في جدول أعمال ومهام ذلك البرلمان والمؤسسات التابعة له، الأمر الذي يندرج تحت بند التدخل في الشئون الداخلية للدولة! ويا للظلم والجبروت، بل يا للوقاحة التي تعجز الكلمات عن وصفها..

وللعلم، فإن الدستور المصري حين نص على أن الإسلام دين الدولة لم يقم ببدعة شاذة في الوجود أو في القانون، وإنما ذلك عرف متّبع في العديد من بلدان العالم، فالدستور في اليونان والدانمرك وإسبانيا والسويد على سبيل المثال لا الحصر ينص على أن المسيحية دين تلك الدولة، وفى إنجلترا التي تعيش بلا دستور تنص المادة الثالثة من هذا القانون على أن الشخص الذي يتولى المُلك يجب أن يكون من رعايا كنيسة انجلترا، بل ولا يسمح لغير المسيحيين ولغير البروتستانت أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات!

والاعتراض هنا لا ينصب على كل هذه المخالفات التي تقوم بها وغيرها فحسب، من قبيل إدعاء ظلم الأقباط في الدولة وحرمانهم من المناصب بينما ثلاثة أرباع الاقتصاد المصري في أيدي أقباط، وثلاثة أرباع المليارديرات المصريين من الأقباط أيضا، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر بخلاف الرباعي ساويرس، هناك ثروت باسيلى وريمون لكّح ومنير فخري عبد النور وفايز صاروفيم وعماد مينا الخ. وفقا لمجلة فوربس، كما تضخمت أموال الكنيسة وصارت بمئات المليارات في غيبة رقيب أو محاسب من الدولة الغائبة آنذاك، فالكنيسة هي الهيئة الوحيدة في مصر التي لا تتم مراقبة مصروفاتها ولا مواردها من الجهاز المركزي للمحاسبات وتصرفاتها المالية بإشراف ذاتي ولا يجوز لأحد التدخل فيها.. والكنيسة هي التى تتحكم في أوقافها ولا دخل أو رقابة من الدولة؛ ولن أتناول فضيحة أو فرية حرمان الأقباط من بناء كنائس، في الوقت الذي تم فيه تنصير شكل البلد بحيث لم تعد مصر ذات الألف مئذنة وإنما ذات الألف كنيسة وأكثر، علما بأن المسيحية لا تنص على ضرورة الصلاة في كنيسة لأن الكنائس لم تكن موجودة أيام المسيح عليه السلام، والمكتوب هو أن يصلى الأتباع في البيت.. والاعتماد على أن المسيح قال لبطرس “أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستي” (متى 16 : 18) اعتماد خاطئ لأن هذه الجملة تعد من الجمل المضافة ومن متناقضات الأناجيل ولا يجوز الاعتماد عليها لأن المسيح قال له في الفقرة التالية مباشرة : “وقال لبطرس اذهب عنى يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس” (متى 16: 23)، وهو ما يؤكده مرقس قائلا : “فانتهر بطرس قائلا اذهب عنى يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس (مرقس 8: 33)، مع العلم بأن متّى كان قد أورد قبل ذلك بإصحاحين أن بطرس هذا قليل الإيمان وفقا للمسيح الذي قال له: “يا قليل الإيمان لماذا شككت” (متى 14:31).. فكيف يمكن بناء كنيسة اعتمادا على شخص قليل الإيمان وينهره المسيح ويبعده عنه لأنه معثرة له؟

إن اعتراضي ينصب أساساً على موقفك المتناقض العجيب، فأنت تقف على الضلال، وتفرضه على حوالي أربعة ملايين من الأتباع بصرامة، وكانوا يعيشون بسلام بين إخوانهم الذين يصل عددهم إلى حوالي ثمانين مليونا، وتطالب أنت بحذف مادة من دستور الدولة، ذات الأغلبية المسلمة الساحقة، والتي تنص على أن الإسلام دين الدولة و أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع؟! ولعلك لم تنس بعد أن هذه المادة تحديدا وهذه الشريعة الإسلامية بالذات هي التي أنقذتك حين تحديت قانون الدولة ورفضت تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الذي يلزمك بالتصريح بالزواج الثاني للأقباط المطلقين بدعوى مخالفة الإنجيل! ويا للغدر..

والضلال الذي تقف عليه هو المسيحية الحالية، التي لا يعرف عنها المسيح شيئا، والثابت علمياً أن بولس الذي جعل نفسه رسولا، هو أول من ابتدع تحريفها الذي تواصل حتى عهد قريب، حين وعد بابا روما السابق، يوحنا بولس الثاني، وعد اليهود بتعديل 75 جملة من جمل الأناجيل حتى يتمشى مع التحريف الذي قام به مجمع الفاتيكان الثاني وتبرئة اليهود من دم المسيح، وذلك رغم أكثر من مائة جملة في هذه الأناجيل تتهم اليهود بإهانته و تعذيبه وقتله! وهو ما يؤكد أن عملية التلاعب بنصوص الأناجيل مألوفة وممتدة وتتواصل عبر القرون! وللعلم، فقد أثبت معهد ويستار بأمريكا أن 82% من الأقوال المنسوبة ليسوع في هذه الأناجيل لم يقلها وأن 86% من الأعمال المسندة إليه لم يقم بها.

وما أعترض عليه أيضا في موقفك المتناقض هذا هو انصياعك للفاتيكان وقبولك المشاركة في عملية تنصير العالم لاقتلاع الإسلام والمسلمين، وقبلت قرار أن تشترك الكنائس المحلية في عملية تنصير العالم، كما قبلت فرض مساهمة كافة الأتباع في عملية تنصير العالم لاقتلاع الإسلام والمسلمين.. وهنا لا يسعني إلا أن أقول لك أنك بقبولك هذا التضامن الوضيع مع الفاتيكان تضع الكنيسة في مصر وكل أتباعها في موقف الخيانة: الخيانة لبلدهم، والخيانة للأغلبية الساحقة التي يعيشون بينها.

وليست هذه بالخيانة الوحيدة التي قمت بها في انصياعك للفاتيكان، فقد أعلن عن التنازلات التي قدمتها في العقيدة الأرثوذكسية وان الخلافات بين الكنيستين قد انتهت تقريبا ولا يبقى إلا خمسة أو ستة بالمائة من المشكلات بينكما.. أي أن الخلافات العقائدية التي امتدت مئات السنين وآلاف القتلى الذين أريقت دماءهم قد ذهبت “سداح مداح” كما يقول المثل المصري.. وأوضح دليل على ذلك: الرضوخ لمطلب الفاتيكان بتوحيد تواريخ عيد الميلاد وعيد الفصح بغية توحيد كافة الكنائس وفقا لكاثوليكية روما وسيادة رئيسها! وهو ما كان مجمع الفاتيكان الثاني (1965) قد قرره وسعى حثيثا لتنفيذه..

ليت أتباعك، وخاصة خونة المهجر الذين فروا هربا من مصر أيام التأميم والذين تستعين بهم في مؤامراتك، وكل من أنشأتهم ليكونوا ميليشيات تحارب بهم المسلمين، يدركون ما تقدمه من تنازلات في حق دينهم، في حق دين ظل المؤسسة الكنسية تفرضه عليهم بكل صرامة وبلا نقاش، فمن يسأل عن المتناقضات يُعد ملعونا ويُحرم مصحوبا باللعنات ! ليتهم يدركون كل ما تضعهم فيه من محن ومخاطر باللعب والتلاعب بإصرارك على المساس بالإسلام والسماح بسب الرسول، عليه الصلاة والسلام.. ليتك تفيق وتتدارك الأمر وتكف عن بث الفرقة بين الشعب المصري الواحد الأصيل الذي لم يعرف الفرقة إلا حين أتيت لتنفيذ مطالب ذلك المجمع الفاتيكاني اللعين وساهمت في عملية تنصير العالم، وليتك تكف عن حقن النفوس والتضليل، وتقوم بالاعتذار الذي كان يجب عليك تقديمه عند انكشاف خزية الأسلحة القادمة عند طريق أحد أتباعك من إسرائيل، وفضيحة وفاء قسطنطين، وغيرها من الفضائح والمخازي كثير حقا..

ليتك تكف عن إشعال الفتن في الوطن الدامي وتعتذر للمسلمين وللدولة المسلمة بل تعتذر للشعب المصري الأصيل بكل فئاته، فكم أهنت من المسيحيين أيضا، وأن تقدم ذلك الاعتذار الذي كان يجب عليك تقديمه منذ عدة شهور لكنك أبيت، وتلاعبت تكبرا وإصرارا..

زينب عبد العزيز
17 فبراير 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version