قبل أن تندلع الأزمة الأخيرة في الجزائر مطلع التسعينات، كانت هناك حرب ضروس وتحرشات شرسة بين التنظيمات السياسية التي دخلت المعترك، و منها التي تريثت حتى تميل الكفة فتظفر بمقعد مع المنتصر، وأفرز عهد التعددية الحزبية فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ سنة 1990 و 1991 بأغلبية المقاعد في البلديات وفي البرلمان، ووجدت الأقلية الماكرة نفسها، وهي التي كانت تحكم الشعب، في مأزق، ممّا صعّب عليها هضم النتائج.

فعمدت إلى وأد الحريات ومحاصرة رؤساء البلديات التابعة للحزب الفائز، لدفع المواطن بسحب ثقته منهم، ودخلنا في مرحلة الأخذ والرد، التي مهّدت للإضراب كوسيلة احتجاجية، وانفلتت الأوضاع بعد سجن قيادة الحزب، ونكث العهد الذي أبرم معهم، وجيء ببوضياف اللاجئ بالمغرب، وهو الذي اغتيل فيما بعد، وفُرض العمل السري على أنصار الجبهة الإسلامية بعد حلّ الحزب، وها نحن بعد سنوات عجاف، لازالت الجزائر لم تُمطر بعد غيض السماء، وتتخلص من تداعيات الأزمة، وتُسطّر للأجيال التي ولدت في هذه الأثناء معالم الطريق، ولسنا ندري هل هناك تقييم واستخلاص للدروس وأخذ العبر، أم يا ترى ستعود الأوضاع إلى الأسوأ بعدما ينتهي دور الرئيس المُعيّن؟

الأقلية الماكرة هم جزائريون جسديا، لهم دعم من بعض العواصم الغربية ولا قاعدة شعبية عندهم، فهم ممقوتون شعبيا، لأنهم ببساطة، لا يحبون للجزائر أن تكون إلاّ على ملّة أسيادهم، فهم والعربية والإسلام كما هم الصهاينة وفلسطين، وهم والتاريخ والحضارة، كما كان بوش والعراق، ويريدون تحديدا أن يعدموا الجزائر بالطريقة التي أعدم بها صدّام يوم العيد.

أما الأغلبية المتناحرة، فهم من يحملون طموحات الشعب، ولكن الأنانية وحبّ الذات، حالت بينهم وبين حمل القضية، ولهذا تراهم لقمة سائغة بين أنياب الأقلية الماكرة، وأصبح منهم من يعمل مع هذه الأقليات دون علم، وفي أحسن الأحوال، يريد أن يزين نفسه من أنه أكثر تسامحا وتفتّحا من غيره وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، و في بعض المرّات ينوب عن قصد أو بغيره عن هذه الأقلية لتوسيع الهوّة بين التيارات التي نعنيها في هذه الفقرة، تارة بالمقاطعة وتارة بعدم الاكتراث بالأمور، فالأقلية عمليا هي أقرب إليه من الأغلبية التي نعنيها، فحب الذات وإتباع الشهوات، جعل هذا التيار لا يرى الألوان على حقيقتها، بل جعله أسيرا، وسيبقى كذلك ما لم يتخلص من عقدة التفوق والعظمة، التي ضيعت على الجزائر الكثير من فرص النهضة.

قد يقول قائل من هم هؤلاء الذين تعنيهم بالأغلبية المتناحرة؟ فأقول دون تردد ودون لبس: هم أصحابُ التوجهات الإسلامية والوطنيين أو “المحافظين” الذين يشكلون أغلبية المجتمع.

حان الأوان أن يركزوا على لمّ الشمل بدل التنازع في أتفه الأمور فيما بينهم، فالأقلية الماكرة جعلتهم ردحا من الزمن يتصارعون فيما بينهم، لتستفيد من صراعهم، وتدفعهم من خلال مكرها وخبثها لنهك قواهم في جدالات تأكل الوقت أكلا، وبذلك يفشلوا، ومن هنا تجد هذه الأقلية الماكرة اللعّب بالتناقضات والانقضاض عليهم وفرض مخططاتها إعلاميا، تارة بالتشهير وأخرى بالتشويه لتأنيب الأمم عليهم، وقد استفادت هذه الأقليات من تضحياتهم سواء ما تعلق الأمر بالمضايقات، أو السجن، أو التعذيب، أو النفي، وكل الأذى الذي يتعرّضون له، ومن ثمّ تستغله بغرض الدفاع عنهم في مؤتمرات علنية كانت، أو في جلسات مغلقة، عبر جمعيات “حقوقية” مقابل أخذ الأثمان، ويكفي أن نشير إلى الشباب والشيب الذين قتلوا من سنة 1988 التي مرت ذكراها علينا قبل البارحة وإلى يومنا هذا، بل حتى أثناء الثورة.

ولأنّ هذه الأغلبية لم تحسن أو لم تستغل هامش الإعلام كما يجب لعدة اعتبارات، فترى هذه الأقلية النافذة تجعل من مجرمها بطلا ومن مظلوم الأغلبية طاغية جبّارا.

أغلبية متناحرة فيما بينها، فيها من الكوادر والإمكانات في كل المجالات ولكنّها غير فاعلة، لم تستخلص الدروس والعبر، فركودها وتردّدها وكسلها في أخذ المبادرة جعلها مُتململة، تظهر بأنها ليست الممثل الحقيقي للشعب، وأقلية ماكرة، لها من الدهاء والخديعة ما يجعلها توقع بالخصم، وتظهر وكأنها هي المُمثل للشعب، فهي المتحكمة في زمام المبادرة إلى أن يثبت العكس.

نورالدين خبابة
6 أكتوبر 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version