كم كانت صدمتي كبيرة عندما تعرّفت على بعض الحقائق المؤلمة وتوصّلت إلى أشياء لا تخضع للشكّ بل أصبحت من اليقين.

كم هي الشخصيات المصطنعة التي صنعها الإعلام وزخرفها، وجعل منها أوثاناً تعبد ومراجع تُدرس، وما هي في الحقيقة إلا دُمًى تُحرّك من خلف الستار.

لن تقوم قائمة لبلدنا مادام المسؤولون يُداوون أنفسهم وعائلاتهم بالخارج بأموال الشعب، الذي يزعمون أنهم في خدمته، فيما مواطنون من درجات أخرى يستغيثون كل يوم ولا حياة لمن تنادي.

لن تقوم قائمة لبلدنا ما دام الشعب في خدمة الدولة وليس العكس كما يُفترض.

تلك عبارات لا تحتاج إلى تفصيل بل إلى إيجاز وفهم.

سأحاول أن أختصر قدر الإمكان بعبارات بليغة تؤدي المعنى: هل الفردوس هو نادي الصنوبر؟ وهل ماء زمزم هو إفري أو سعيدة؟ وهل أحد العلماء هو جبريل عليه السلام؟ وهل وزير الداخلية هو ملك الموت؟ وهل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو أحد الجنرالات أو الوزراء؟ وهل رئيس الجمهورية هو ربّ العرش العظيم؟ وهل “فال دوغراس” هو معجزة من معجزات سيدنا عيسى عليه السلام؟

ما أعرفه وما تعلمته أو ما طالعته هو أن الدعوة لها أهلها وأن السياسة كذلك، والسؤال البديهي الأول الذي يطرح نفسه هو: هل أنني داعية أو محنّك سياسي لأخوض في هذا الأمر؟ والجواب: أنني لست كذلك.

ولكن، هل قدرنا هو أن نترك هؤلاء المحسوبين علينا والمسمَّون دعاة وسياسيين وإعلاميين وقد شوهوا العمل الدّعوي من خلال اتّباع الهوى، وشوهوا السياسة من خلال المصالح ونكث العهود والإخلال بالمواعيد، والإعلام من خلال التدليس على الناس وقلب الحقائق في وضح النهار، والغدر، والتجسس، وأوصلوا البلاد والعباد إلى الدركات السفلى بسبب قصر نظرهم ومعالجة الأمور وفق رغباتهم، لا مثلما يطمح إليه الشعب، أو وفق دراسات تخضع للواقع؟

أصبح الشباب يموت جماعياً، إمّا على زوارق في أعماق البحار بسبب اليأس والقنوط، أو في غابات كان من المفترض أن تكون للفسحة والراحة أو للمنفعة العامة، لا بركاناً يشتعل على رؤوس العباد، من خلال الحرائق، أو الكمائن، أو المجازر المروّعة .

من خلال ما شهدناه هو أن المناصب، والكراسي، والامتيازات، فعلت فعلها، فتحوّل هدف الدّعاة من حسنات إلى شيكات، وتحوّل الحلمُ بقصر في الجنّة إلى بيت في نادي الصنوبر أو شاطئ من شواطئها الجميلة، وتحوّل الحلم بلقاء مع محمد صلى الله عليه وسلم على الحوض والشربة الهنيئة، إلى لقاء مع رئيس الجمهورية أو أحد الملوك والجنرالات.

وتحوّل هدف الإعلاميين من خدمة الشعب إلى خدمة أنفسهم، ومن البحث عن الحقيقة إلى البحث عن الأضواء، ومن زرع ثقافة المعلومة إلى احتكارها، ومن تنوير العقول إلى طمسها بالدّجل والتدليس والتلبيس.

وتحوّل هدف السياسيين من البحث عن المصالح العامة والمشتركة، إلى المصالح الحزبية أو الخاصة الضيقة.

وتحوّل هدف المثقفين والأدباء من رفع الهمم وتوسيع المدارك إلى الرٌقص على الجراح.

فما أحلك الليالي التي أظلمها الدّجل، ما أتعس من كنّا نُحسنُ الظن بهم وقد دخلوا في صمت مُطبق، بعد أن أمّنوا عيشهم وعيش أولادهم، وأصبحوا في عداد أهل الكهف.

لقد بيّنت هذه الأزمة الجزائرية الكثير من الحقائق، فبقي القليل من الناس على المبادئ وكثير ممّن صنعهم الإعلام، ها هي نجومهم تتهاوى مع الأحداث، فيا سعادة من كان نضاله مبنيا على المبادئ، لا تؤثر في الزوابع ولا السّحب، ويا سعادة من كان على حقّ، إن عاش فعيشته هنية وإن مات فرحمات الناس لن تنقطع عليه، ويا ويح من كانت الصالونات ووسائل الإعلام ديدنه وما إن قَرُبَ أجله، توالت عليه اللّعنات تلاحقه في كل مكان.

نور الدين خبابة
19 جويلية 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version