مثل جزائري بامتياز، يعرفه الصغير والكبير، يُطلق على من ركب رأسه، يرى الشمس ويقول بضدّها.

يُروى أن أمازيغيا قال لصاحبه وهو يرى سوادا من بعيد، يا صاحبي، أعتقد أن هناك غرابا، فقال له صاحبه إنها عنزة، فقال له، إنها غراب، فأجابه إنها عنزة… وظلاّ يتنازعان عن ماهية السّواد حتى اهتدى أحدهما لتحكيم العقل، فقال لصاحبه، هيّا بنا نقترب إلى الشيء المتنازع عنه حتى نتأكد منه، وعند اقترابهما منه طار الغراب، فقال الرجل لصديقه ألم أقل لك بأنه غراب؟ فقال بلى، ولكن الأمر غير ذلك، إنّها عنزة وليس غرابا، فقال يا رجل إنّه غراب، ألم تره بعينك وهو يطير؟ فهل العنزة تطير؟ قال نعم إنها عنزة حتى ولو طارت، أعرض عنه الرّجل وغادره لخشونة رأسه وعرف بأنه عنيد لا يستحق الصداقة.

هذه الرواية الحقيقية هي واقع الكثيرين من الناس مع الأسف في عدّة مجالات ولاسيما منهم من يمارسون ما يسمى بالسياسة والحقيقة أنه لا علاقة لهم بها، يسيرون إلى جانب الحاكم، يؤيدونه وهو على باطل ويقرؤون له الأعذار بل يفتونه ويطيعونه فيما عصى خالقه وهم المستسلمون طبعا، وكأنه خالقهم مع أنّهم موقنون بأنه يفنى والدليل أمام أعينهم وهم يرونه وقد بلغه الشيب وأصبح قعيدا، تسقط شعيراته ويتجعّد وجهه وتنكمش معدته ويَيْبس ريقه، وحركته فيتناقص والتثاؤب شغله ويده على فمه طول اليوم…

هاهي نسبة المشاركة التي أعلنها زرهوني عرت المزورين للإرادة الشعبية من خلال الاحتجاجات المتزايدة، وهاهو التذمّر في ازدياد… وهاهي شرائح من الشعب غير راضية على الوضعية المزرية التي فرضت عليهم ويكذبون من قالوا نعم للاستمرارية، لم يجدوا سبل التعبير إلاّ سدّ الطرقات وحرق العجلات… لكنه ركوب الرأس…

هناك أيضا من يطلقون على أنفسهم بالديمقراطيين زورا أو الحداثيون أو… ولا علاقة لهم حتى بما يقولون فتراهم يناقضون أنفسهم في نفس الكلام ويرون الألوان كلّها داكنة، من خلال التعميم والتصنيف والبزنسة بالقضايا المقدسة من دين أو تاريخ … وكأن أعينهم جُعلت في قفاهم، فكلّما قام معارضوهم بشيء إيجابي رأوه سرابا خرابا، لا يقبلون بالآخر ويزعمون بأنهم ضحاياه، يدافعون عن مبادئ غيرهم “المستوردة” ويرفضون معارضيهم لأنهم يدافعون عن مبادئهم حتى ولو كانوا ملائكة رحمة يسيرون على الأرض، فمثلا تجد إنسانا يدافع عن لهجته ومنطقته فيما يتهم الآخر وهو يدافع عن لغته ووطنه لكنه ركوب الرأس…

ضاعت القضايا بين التعنّت والتزمّت وانحرف القطار عن سكّته ووجد المعمّرون الجدد من ينوب عنهم، وعاث المفسدون في الأرض وتفنّنوا بهواهم وانتشر الباطل وجهر أصحابه به، فيما جبُن المدافعون عن الحقّ وأصبح معظمهم في أحسن الأحوال إذا ما تكلّموا قالوا: أنّنا بقلوبنا معكم يا… وأصبحت رواية العنزة الطائر ثقافة تمارسُ، بل هناك من يعتبرها برنامجه فلا يحيد عنها ويعتزّ بها ويحسبها بأنها شجاعة وإقدام، مع أن الشديد ليس بالقوّة ولا من يدافع عن النزعة ولا بالسرعة، ولكن الشديد من يمسك نفسه حالة الغضب.

صاحب الحق يذعن للحق حتى ولو كان عند خصمه، أمّا أصحاب الماعز الطائر فهم من النوع الذي يرى الغراب يطير ومع ذلك يقولون بأنه ماعز طائر.

نور الدين خبابه
18 مايو 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version