أكد عبد الحميد مهري، الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني، أن السياسة الخارجية الجزائرية مبنية على الارتجال، معتبرا بأن هناك عدة ملفات لا تزال عالقة بيننا وبين فرنسا، ذلك لأننا غير متابعين لتلك الملفات بالجدية اللازمة، معتبرا بأن ما جاء على لسان السفير الفرنسي مؤخرا، دليل على أن بناء الدولة الجزائرية لا يزال هشّا في سياستها الداخلية والخارجية.

قال السفير الفرنسي مؤخرا في حوار لـ”الخبر” بأن الجزائر لم تطلب من فرنسا تعويضات على التجارب النووية، كما ذكر بأن مدير الأرشيف لم يلب دعوات للذهاب إلى فرنسا لإيجاد حل لقضية الأرشيف، ما هو تعليقكم؟

ليس لدي إطلاع على تفاصيل ملف التجارب النووية، لكني أظن أنه لو كانت السلطات الجزائرية قد طلبت فعلا تعويضات من نظيرتها الفرنسية، لما تجرّأ السفير الفرنسي على أن يقول بأنها لم تطلب. الأكيد أن كل هذا مؤشر على أن بناء الدولة عندنا هش في السياسة الداخلية وفي السياسة الخارجية. من هي الجهة التي يفترض أن تتولى عملية إدارة علاقاتنا الخارجية مع الدول عموما أو مع فرنسا تحديدا، هي وزارة الخارجية. والوزارة منذ الاستقلال وإلى غاية الآن، لا تزال تعمل بهياكل إدارية، وإلى حد يومنا هذا لا يوجد فيها معاهد بحث، تتولى عملية إنضاج السياسة الخارجية للجزائر، وتأسيسها على أسس علمية، تحدد توجهاتها الكبرى وخطوطها العريضة. لهذا يجب أن نطرح هذه القضية من منظور أشمل وهو بناء الدولة، الذي لا زلنا لم نقم به بالشكل اللازم، فالسياسة الخارجية للجزائر حتى وإن كانت قد حققت نجاحات في الماضي، وكان لها حضور في المحافل الدولية، إلا أن ذلك لم يكن مستندا إلى مؤسسة تعطيها العمق والكثافة والكفاءة المطلوبة، وخير مثال على ذلك قضية الألغام، فيكفي أن هذا الملف بقي مطروحا لمدة تقارب نصف قرن دون حل، وبصرف النظر عن المبررات والأسباب، فالخلاصة هي أن هناك تقصيرا من طرفنا، فإما أنه ليست هناك متابعة أو وعي أو جدية في التعامل مع الموضوع، ويمكن أن نضرب مثالا آخر يتعلق بقضية الأرشيف مثلا، الذي يعتبر مسألة مهمة وحيوية، ليس الأرشيف السمعي ـ البصري فقط، وإنما الأرشيف الذي نقلته فرنسا قبيل الاستقلال، هناك دراسات مهمة أجريت في الموضوع، مثل تلك التي قام بها محمد بجاوي، ولكن ليس هناك متابعة للموضوع.

السفير الفرنسي قال أيضا بأن الأرشيف الخاص بالفترة الاستعمارية ملك لفرنسا، وبأن بلاده عرضت تقديم نسخ عنه للجزائر دون أن تتلقى ردا، ما رأيكم؟

هناك عدة أقوال في هذه النقطة، فقبيل الاستقلال نقل الأرشيف الخاص بالحقبة الاستعمارية إلى فرنسا، وذلك خوفا من وقوع أعمال قد تضر به، هناك إشكال قانوني، ويوجد كلام من الطرفين، ولكن من ناحيتنا ليست هناك متابعة جدية للموضوع، أنا كنت سفيرا في فرنسا لمدة 4 سنوات، ولمست عن قرب أنه لا توجد متابعة للملفات من جانبنا، والوضع مستمر إلى حد الآن، ليس في علاقتنا مع فرنسا، وإنما في علاقاتنا مع الدول الأخرى أيضا، ويمكن القول بأن فرنسا متقاعسة ونحن غير متابعين.

لكن ألا ترون بأنه من غير اللائق، أننا نلوم فرنسا على أنها لم تسلمنا خرائط الألغام مثلا، ونحن لم نطالب بهذه الخرائط أصلا، على حد قول السفير، وكذلك الأمر بالنسبة لمطلب الاعتذار، الذي لا يوجد ما يؤكد بأننا تقدمنا به رسميا؟

من الذي طالب بالاعتذار، وبلور هذه الفكرة في الجزائر، ومن الذي تحدث عن التوبة، وما معنى الاعتذار والتوبة، هذا الأخير مصطلح ديني، وهو مطروح لدى الرأي العام الفرنسي، والأمور غير واضحة بالنسبة لموضوع الاعتذار، فهل يكون ذلك في رسالة أم في خطاب، وماذا سيحدث بعد ذلك؟ ولنفترض أن الفرنسيين سيقولون في خطاب أنهم يعتذرون، ماذا سيكون موقفنا بعد ذلك؟ هذه أسئلة تصب كلها في خلاصة أن الأمور ليست مدروسة بعمق، وأن القضية الأساسية هي عدم وجود بناء جدي للدولة حتى فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، أنا أعتقد بأن الاعتذار لا معنى له، نحن خضنا مقاومة وحرب تحرير انتهت بانتصار، ولسنا في حاجة إلى اعتذار، الأكيد أن ما حدث يملي علينا دروسا يجب أن تفيدنا في علاقتنا مع فرنسا.

هل يمكن القول بأن الحديث عن الاعتذار خطاب استهلاكي موجه للداخل؟

أنا لا أرى مبررا لهذا الجدل حول الاعتذار، ولا ما سينتج عنه في حالة حدوثه، وتقديم فرنسا لاعتذارات.

ساركوزي أدان النظام الاستعماري خلال زيارته الأخيرة، والبعض اعتبر هذا خطوة نحو الاعتذار، وذلك بعد أن كان رافضا لمبدأ الاعتذار، ما قولكم؟

ساركوزي يرفض السياسة غير الناضجة من جانبنا، لذا سهل عليه أن يقول بأن الأجيال الحالية لا يمكنها الاعتذار على ما فعلته الأجيال السابقة، يجب أن ننظر إلى الأمور من زاوية أخرى، نحن لدينا مشاكل مع فرنسا، كيف يمكن أن نحلها، وكيف نتعامل مع فرنسا في إطار العلاقات التي تربطنا بها حاليا، هل قمنا بدراسة حقيقية لهذه العلاقات، بحيث تكون مبنية على أساس المعاملة بالمثل، والتوازن في المصالح؟ هذه أسئلة لست مطلعا كفاية للإجابة عليها.

إذن المشكل يعود لغياب أسس علمية لسياستنا الخارجية؟

وزارة الخارجية لا يمكن أن تدار بهياكل إدارية، ففي دول أخرى، وزارات الخارجية فيها مديريات إدارية ومديريات دراسة، كما أن وزارات الخارجية تعتمد على مراكز بحث خارجية وعلى علماء وباحثين متخصصين، هذا غير موجود عندنا، فالسياسة الخارجية مبنية عندنا على الارتجال.

هل يمكن القول بأنها مزاجية؟

بما أنها غير مدروسة يمكن أن يكون فيها كل شيء.

بدليل أنه لما تحدث وزير المجاهدين عن أصول الرئيس الفرنسي، تدخل رئيس الجمهورية ليقول بأن السياسة الخارجية من صلاحياته فقط، أليس صحيحا؟

هذا من الأسباب التي تجعلنا نقول بأن النظام شاخ، وأنه حان الوقت لتغييره، وفتح نقاش حقيقي حول هذه القضايا الأساسية والمهمة بالنسبة لواقع ومستقبل بلادنا.

حوار مع كمال زايت
الخبر 5 مارس 2008
المصدر:http://www.elkhabar.com/quotidien/lire.php?idc=30&ida=100056&key=0&cahed=1

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version