بعيدا عن الخوض في الاعتبارات التاريخية والسياسية التي تطبع العلا قات المتعثرة بين الجزائر وفرنسا، وعلى وجه الخصوص، إسرار الدولة الفرنسية – منذ نصف قرن – على رفضها لأي اعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري، أود التطرق هنا إلى ما يسمى ب “ملف التعاون” بين بلدينا في ميدان الطاقة ولفت نظر المواطن إلى ما قد يحاك للجزائر من دسائس، بين باريس و… تل أبيب.

قبل كل شيء، ينبغي التذكير بالوضع المتميز لفرنسا، في ميدان تكنولوجية الطاقة الكهرو- نووية، حيث أنها البلد الوحيد في العالم المتصنع الذي ورط نفسه منذ أكثر من 30 سنة بتعويله المفرط على الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، حيث تبلغ نسبة النووي %80 من إنتاجه الكلي, وتحاول فرنسا الآن جاهدة، الوصول إلى درجة ما من التوازن بين تكنولوجيتي العنفات (turbines) المزودة بالغاز الطبيعي والمحطات المستخدمة للوقود النووي، والتي يفوق عددها 60 وحدات. وهذا ما يفسر جانبا كبيرا من اهتمامها المتنامي بالغاز الجزائري، طالما أن الغاز الروسي لا يزال مرهونا بعدم الثقة بين الغرب وروسيا.

وحرصا منا على معالجة الجانب التقني لهذا الاقتراح المشبوه، – وباختزال شديد -، نود التذكير بأن تكنولوجيات المولدات الكهرو- نووية تشهد الآن تراجعا كبيرا عبر العالم، على إثر الحوادث المتكررة هنا وهناك من أمركا إلى فرنسا، مرورا بألمانيا وروسيا ووصولا إلى مأساة “تشرنوبيل” بأوكرانيا، ومؤخرا، حادثة تسرب الإشعاعات النووية من محطة كاشيوازاكي، إثر الزلزال الأخير باليابان – يوليو 2007 – والتي تقرر إغلاقها فورا لمدة سنة، من طرف سلطات طوكيو.

لقد أصبح الآن، العامل الأمني بالنسبة للإنسان والبيئة هو العامل الرئيسي الذي يقوض فرضيات وتقويمات ورشات البحث العلمي والدراسات الهندسية المنهمكة اليوم عبر العالم في تطوير ما يسمى ب “محطات القرن 21 أو الجيل 4″، لأنه اتضح اليوم لدى الخبراء، ضرورة إعادة نظر كاملة، تشمل المفاهيم والحسابات والتصميمات، في ميدان تشييد المحطات الجديدة، والتي يراد لها أن تختلف بالكامل عن المحطات المشتغلة اليوم عبر العالم – وهي كلها من طراز الجيل 2، إذ لا كلام عما يسمى ب”الجيل 3” المصنع من قبل شركة AREVA الفرنسية – الألمانية، والذي لا وجود له في الميدان، حيث لا يزال في طور الإنجاز ولا يتوقع تسليم المحطتين المطلوبتين، من قبل الشركة الفرنسية للكهرباء “”EDF والثانية من قبل حكومة فنلندا قبل سنة 2015. ويمكن القول أن “الجيل الثالث” بات مجهضا، إذ لم يحظ بأي رواج تجاري نظرا لكونه لا يختلف كثيرا عن سابقه من الجيل الثاني ولم يأت بأي جديد يذكر.

ونصل هنا إلى بيت القصيد، حيث يأت إلينا السيد ساركوزي – اليهودي الأصل والغني عن التعريف بانتمائه الصهيوني وعقدته العنصرية الاستعمارية – ليعلن عزمه على بناء “شراكة” مع الجزائر في ميدان الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية. مما يعني في القاموس الساركوزي: إقحام بلدنا في مغامرة التجهيز بتكنولوجية فرنسية للمحطات الكهرو- نووية آتية على التقادم والاندثار، وهو يعلم جيدا أن الجزائر غير معنية بتاتا في الوقت الراهن، بالخوض في هذه المغامرة، – إن لم نقل المؤامرة – سواء أكان هذا على الصعيد الاقتصادي أو على صعيد تهيئتها وقدرتها، في ظروفها الحالية، على التحكم في مشروع كهذا، محفوف بالمخاطر على الإنسان وعلى بيئته الطبيعية.

نهيك عن مخاطر أكثر ورودا: وهي المخاطر “الجيوستراتيجية” التي قد تفتح أبوابها علي بلدنا، بعد بضع سنوات فقط من إنجاز مشروع كهذا على أرض الوطن، وما قد يحيط بالجزائر من مكايد الاتهامات الصهيونية – الغربية الزائفة، على منحى السيناريو المأساوي الذي نزل بساحة العراق الشقيق. وليست عنا ببعيد، الاتهامات الملصقة بإيران من قبل ما يسمى ب “المجموعة الدولية” التي يتقنع الغرب بقناعها، متعاميا كعادته عن أسلحة إسرائيل النووية وغيرها.

هذا ما ينبغي أن يكون حاضرا في دهن كل مواطن جزائري غيور على استقلال وطنه، كلما جاء الحديث عن اقتراحات ساركوزي لبناء أي نوع من الشراكة بين بلدينا في ميدان الطاقة، طالما يتبين جليا، أن هناك من وراء هذا الاهتمام الغريب المشكوك بمصلحة بلدنا ومستقبله، أقول إن هناك دسيسة ما تحدق بالجزائر. فحذار !

أجل، لقد اشتهر الرجل، حين كان وزيرا للداخلية الفرنسية، بسياسته القمعية المناهضة للجالية العربية المسلمة وهو الزعيم السياسي اليميني المتطرف الذي كان وراء إصدار القانون العنصري الممجد للاستعمار والمتبجح بما وصفوه بكل وقاحة وتعجرف وزور، ب “إنجازاته الحضارية”.

فليبق السيد ساركوزي إن شاء، على تجاهله ! فالجزائر تتوفر- بفضل الله – على مخزون من الغاز الطبيعي يبلغ حجمه أكثر من 11.000 مليار متر مكعب، مما يجعلها في غنى تام عن مقترحات السيد ساركوزي المشكوكة ومتاهاته ومخادعاته، حيث أمامها أكثر من 60 سنة استهلاكا، قياسا على المستوى السنوي الحالي، – 20 مليار متر مكعب ، من أصل إنتاج كلي يقدر ب 80 مليار متر مكعب سنويا – بصرف النظر عما قد يحدث من اكتشافات جديدة.

فما معنى هذا التكالب يثرى على إقحام بلدنا في مغبة توليد الكهرباء من خلال تكنولوجية أكل الظهر عليها وشرب، وفي الوقت بالذات الذي يريد الآخرين التخلص منها ؟

أليس أجدر بالجزائر أن تدفق ثرواتها من الغاز الطبيعي – الذي هو ملك لكل المواطنين – بالأسبقية على تلكم الطوابير المنتظرة لشاحنات التموين أم على أطفالنا المنهمكين في تدحرجهم للقارورات، جنب الطرقات، في معظم المناطق النائية من الوطن، بدء بأهل قرى الجنوب الذين يندفع الغاز من تحت أرجلهم ليصل دونهم، إلى أوروبا ؟

آسف من أنني لا أملك الجواب.

عبد القادر الذهبي

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version