على الرغم من أننا كنا دائما ومازلنا حريصين على حقن الدماء وتجفيف الدموع سباقين لكل دعوة صادقة تخرج البلاد والعباد من نار الأزمة بالقول والفعل لا بالشعارات ولا بالانقلابات على العهود والوعود. وعلى الرغم أيضا من كل الإحباط الذي يعيشه كل أولئك الذين اكتووا بنار الحرب الذين لا يكفيهم اليوم الخروج للشوارع والتنديد بالأحداث الأخيرة التي عاشتها الجزائر من أجل طمأنتهم على مستقبلهم ومستقبل أبناءهم الذي أصبح رهين التوازنات السياسية التي ما أصبحت تخدم إلا من فكر وخطط ونفذ مصالحة إقصائية غير عادلة بين خصمين وهميين، وسِلْمًا هشًا لا يمكنه مقاومة الشعور بخيبة الأمل التي لا نتنبأ بمقدار عنف الهزات التي ستحدث عندما سيتأكد الجميع من أن" لِجسكوبوتيست" الذين يحكمون الجزائر لا ولن يقبلوا بأقل من بقاءهم للتحكم في رقاب العباد والتصرف في خيرات البلاد ولو أدى ذلك إلى العودة بالجزائر للمربع الأول من بدايات الأزمة . لقد فشلوا في تدويل المواجهة حين كانوا يقرعون طبول الحرب وفي نفس الوقت يهولون من " لبننة " الجزائر في مطلع التسعينيات وسيفشلون اليوم من تحقيق هدفهم القديم "التدويل" وهم الذين رتبوا له وخططوا للتأزيم مرة أخرى بالتهويل والتحذير من المثال العراقي إن ما يقع في الجزائر اليوم ليس طفرة جينية وَلٌدتْ جسما غريبا يختلف عن ما حدث منذ 92 لا بل هو امتداد طبيعي لأزمة الشرعية وأزمة غياب حكم راشد يقود الأمة نحو تحقيق وجودها بين الأمم وذلك بحقها في معرفة الحقيقة والعدالة والأنصاف واحترام اختياراتها الحرة والسيدة لا بالإقصاء والتهميش والحكم على الخصوم بعيدا عن قوة القانون قلت على الرغم من كل هذا نجد اليوم أنفسنا أمام موقف نحذر منه وننبه إليه هو أكثر خطورة ومأساوية من ذي قبل وكيف لا والأوضاع وكل أسباب ودوافع ما وقع قبل وبعد توقيف المسار الانتخابي في جانفي 1992 هي شاخصة تكاد تنطق مرة أخرى بل أنها تنوء بحمل ومحصلة هي أضعاف مضاعفة اصْطُلِح على تسميتها المأساة الوطنية.

إلى كل من يهمه أمر الأمة وأمر الوطن كان لزاما أن نعرج بالخوض سريعا على هذه المحطات لوضع النقاط على الحروف، حتى يعي كل ذي قلب أن السلم والمصالحة الحقيقيين المؤديين إلى الحل السياسي الشرعي والعادل كانا ومازالا وسيبقى خيارنا وأن الذين يريدون أن يدفعوا بنا نحو خيار الصمت والسكوت عن المطالبة والمدافعة عن حقوقنا وبين خيار الدفع بالعباد والبلاد في أتون حرب ُيلوَحُ بها علينا تأتي على الأخضر و اليابس وتعيدنا إلى محنة في طبعة أخرى، تجعل من الجزائر أرضا لمعركة ومن أبناءها حطبا لها ،المستفيد منها نظام اسمه "س" وقوى خارجية و أصحاب أجندات ومشاريع عالمية غامضة تفتقد لأفق الحل أو أي تسوية سياسية مع الطرف الآخر ، هم واهمون وما عليهم إلا التفكير غير هذا التفكير المدمر وأن ما يجمع الأمة أكبر مما يفرقها وأن المراهنة على مثل هذه المخططات والمشاريع لا يمكنها فقط إلا إطالة عمر الأزمة وتأجيل الحل الذي ينشده الشعب الجزائري الذي ما تردد يوما في مطالبة كل الأطراف به، حتى يتمكن من الانطلاق نحو التنمية والرفاه.

إنه لما يتحدث السيد حسان حطاب المدعو أبو حمزة عن ما حدث في العاصمة برفضه لهذا الأسلوب اليائس من العمليات وكذا رفضه لأي محاولة استيراد لا تتفق وخط المواجهة التي اختارها الجزائريون في المغالبة دفاعا عن أنفسهم ومشاريعهم التي جعلت من خصومهم يعترفون لهم بأن هؤلاء مشكلتهم مع نظام الحكم وليس مع الشعب هذا إن صح ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية وهذا نؤيده وندعمه، ونكاد نلمس تلك النبرة من التعاطف غير المعلن مع ما صرح به هذا الأخير وخاصة رسالته المفتوحة الأخيرة لشخص السيد عبد العزيز بوتفليقة التي يدعو فيها إلى ما يدعوا ويقترح ما يقترح.

وعندما يخرج السيد حطاب بهذا الخطاب في هذا الوقت وفي خضم هذه الأحداث خاصة ما تعلق بالشأن الداخلي أستطيع أن أجزم أن هناك إعادة لترتيب أوراق المراحل القادمة نحو عودة اللوبي الإستئصالي باتجاه استرجاع مواقعه التي سلمها تكتيكيا لتحقيق أهداف مرحلية قد أشرفت على نهايتها ومن ذلك يستشف أن رسالة السيد حطاب حملت دعوة لفتح العمل بقانون السلم والمصالحة على فترة أخرى ولا أتصور أن هذه الدعوة بعيدة عن وحي التوجه الداعي للحل الأمني وفتح المواجهة على مصراعيها ضد كل من يحمل السلاح والرافض للخطاب الأحادي للنظام القادم ولأن ما يحمله السيد حسن حطاب لا يزال يحمل الطرح الذي يمتلك الأفق السياسي والواقعية على الأرض يبدو أنه بقي شوكة في خاصرة التوجه الإستئصالي وكذا الدعوة للتدويل والدخول في شكل حرب عالمية على الإرهاب وعليه، فإنني أستطيع الجهر بالقول اليوم وغدا عند تفسيري لما يحدث أنه استدراج آخر للتنازل بعفو خاص آخر قد نشهده في الأيام القادمة في حق كل من يقبل بدعوة السيد حسن حطاب ويلتزم بها وبذلك يمكن وبشكل نهائي غلق كل منفذ يمكنه أن يكون مدخلا لمقاومة قد تحمل طابع الشرعية بشكل أو آخر.

لكن قبل كل هذا دعوني أعود للتاريخ القريب وأبدا بالسؤال هل سيقدم السيد حطاب ما قدمه السيد مزراق؟

أظن أنه لا يمكن مقارنة ما سيقدمه السيد حطاب إن صحت الأخبار وأعتقد أنها كذلك بما قدمه السيد مدني مزراق ولا أعتقد أن ما سيحصل عليه السيد حطاب أكبر مما حصل عليه السيد مدني مزراق وفي هذه الحالة سنجد أنفسنا أمام المثل الشعبي القائل "الذي أخذته الصلعاء أخذته صاحبة الشعر " بتصرف جيش من 6000 مقاتل أي 6000 بندقية حرب ولكل بندقية حرب ما معدله 60 إلى 70 طلقة رصاص أي بين 360000 إلى 420000 طلقة رصاص 6000 مقاتل أي 60 كتيبة مقاتلة موزعة على الشرق والغرب والوسط وجزء من الجنوب ولو وزعت على عدد الولايات لكان لكل ولاية ما معدله 125 مقاتل دون إغفال أنه كان دورا للولايات النشطة وولايات خاصة في الجنوب لم تعرف نشاطا مكثفا للمقاومة أي أنه كان لا يقل عن 200 مقاتل في كل ولاية مع اختلاف في مناطق الإنتشار والتوزع وقد كان تصل إحصائيات العمليات المسلحة في بعض مراحل ذروتها إلى غاية 01/10/1997 من 100 إلى 150 عملية يوميا في كامل التراب الوطني . ناهيك عن وسائل حربية كانت الدرع الواقي من التوغلات العسكرية النظامية لمناطق التمركز والقواعد الخلفية من قوة تدميرية بالمتفجرات المتمثلة في مئات القناطير من المتفجرات المحلية الصنع وكذا شبكة اتصال لا تقل أهمية في تطورها واستعمالها من قبل المقاتلين عن الطرف الآخر وأجهزة تابعة للتنظيم من إعلام 100 بالمائة وعيادات طبية تحتوي على تجهيزات طبية وجراحيين وقد أجريت فيها العديد من العمليات الدقيقة.

وبعيدا عن هذا وذاك وعن الأرقام والدقة قد تضيف الكثير للأرقام السالفة الذكر . هناك مسألة كبرى ومعطى أقوى مما هو مادي هو شرعية المقاومة والتي لم تسمح لأي طرف خارجي عدو أو صديق أن يتدخل فيما يجري مما هو حاصل بالجزائر وقد فشلت كل هذه المحاولات مثلما ذكرت سابقا وبالتالي أخذت مقاومتنا طابع المقاومة الشرعية وقد صدرت وقتها في العالم العديد من قوائم ما وصفت من طرف أصحابها بالمنظمات الإرهابية في العالم ولم تتجرأ أي جهة لوضع تنظيمنا ضمن تلك القوائم ولا حتى علماء الأمة العاملين فقد اكتفوا بالدعوة للصلح والتصالح وفقط وجاءت مرحلة السلم وكانت أصعب في التعامل والتكيف معها من مرحلة الحرب وقد راح ضحية الغدر وعدم الوفاء في ولاية معسكر حوالي 30 مقاتل مأمنين ومتفق على سلامتهم ذبحا بأمر من مسؤولين نافذين في المؤسسة العسكرية ولم يحرك السيد مدني مزراق ساكنا وأحداث كثيرة من قصف متعمد للمواقع العسكرية المحددة في الهدنة وغدر بالكمائن في مواقع العبور المتفق عليها واعتقال وسجن للعديد من المقاتلين حتى الآن أمروا بعدم الإشتباك عند الإصطدام بالطرف الآخر و، و، و…

أقف عند هذا الحد و أقول هل يمكن للسيد حطاب أن يقدم ما قدمه السيد مدني مزراق؟ بالقطع لايمكنه ولن يمكنه ولكن السؤال ماذا كان يريد هؤلاء من السيد مزراق وقد أخذوه منه وماذا كان يريد مزراق وهل أخذه منهم؟ أعتقد جازما أنه حصل عن عفو هو أفحش سبَةٍ لا أعتقد أنه سُبَ بمثلها من قبل وهو الآن يعيش بين أوراقه الإنتخابية المبعثرة على مكتب وزير الدولة المكلف بالداخلية. سؤال طرح هذه الأيام وأجيب عنه بسؤال. ماذا قدمتم لهؤلاء الذين انخرطوا في مسار السلم والمصالحة إلا أنكم جعلتم منهم أناس سذج لأنهم يحلمون بالسلم والمصالحة الحقيقيين والواقع يؤكد ذلك والبينة على من أدعى واليمين على من أنكر، أليست هذه الخلاصات ولست الوحيد الذي توصلت إليها هي دعوة مبطنة للتشدد وفقدان الثقة في كل ما هو صادر من الطرف الآخر وأن الذي أصبح يؤمن بمبدأ السلم والمصالحة أخرق ساذج يصل بنا الحد إلى تسفيهه، لكن إذا كان هذا مرادهم فليعلموا أنهم لن يستطيعوا إسكاتنا عن المطالبة والمدافعة عن حقوقنا كاملة ولن يدفعونا لدخول أتون حرب يريدونها أن تأتي على الأخضر واليابس لتنفيذ مشاريعهم الداعية للتركيع أو للتفتيت.

بن نعوم عبد الله
23 أبريل 2007

تعليق واحد

  1. غير معروف بتاريخ

    Salut à si Abdallah benaoum et son frère Madani . .

Exit mobile version