في الوقت الذي نشاهد فيه مراسيم تشييع جنازات قادة الاستبداد، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، مثلما شهدناه في جنازة عبد الناصر والأسد وغيرهم، وتابعناه عندنا قبل أشهر، أثناء جنازة القايد صالح والتسهيلات لجنائزهم، حرضا منهم على صناعة أصنام وإدامة ذكرهم، يقومون في الوقت نفسه وبالتوازي بأعمال منسقة على طمس ملامح كل من يقاوم ظلمهم، محاولة منهم محو ذكره وتشويه صورته، بما تؤكده آلاف الشهادات التي توثق إستراتيجية العسكر لتنظيم فقدان الذاكرة الجماعية.

 استفاد العسكر عندنا في الجزائر وتعلموا من ممارسات عدة طغم عسكرية في العالم، وطبقوا طقوسهم،لكن هذه الطقوس، بدلا من أن تحقق ما كانوا يصبون إليه، عززت في الواقع الذاكرة الجماعية، التي تظل شاهدة شامخة على جرائمهم، وتبقي شعلة المقاومة متيقظة.

 ومن جملة السبل التي استخدمها الانقلابيون في التسعينيات لقتل الذاكرة، ستهدفون على وجه الخصوص المراسيم الجنائزية لتشيع الموتى، ومراسيم التعزية ومرافقة العائلات، كما عرقلوا مراسيم إحياء ذكرى الموتى. ومن الأمثلة على ذلك:

1. إتلاف جثث الأموات أو رميها في البحر أو دفنها سرا في قبور فردية أو جماعية في أماكن مجهولة، وهذا لطمس هويتهم (المفقودين) وتعليق حداد ذويهم.

2. فرض غرامات ثقيلة على العائلات مقابل سحب جثث فلذات أكبادهم من مستودعات الجثث.

 3. منع العائلات من فتح النعوش المختومة.

4. تخويف الناس من الحضور في التجمعات والمسيرات الجنائزية ومن مواساة العائلات.

 5. دفن القتلى تحت مراقبة العسكر وبحضور عدد قليل من الأقارب فقط.

 6. دفن الضحايا في “المربعات الارهابية” والقبور الجماعية في المقابر.

 7. دفن القتلى في أضرحة مجهولة ( X-Algérien).

8. تحطيم شواهد القبور التي كتبت فيها كلمة الشهادة في بعض المقابر (في المدية مثلا).

 9. القيام تفجيرات في المقابر أثناء زيارات الأهالي لأمواتهم.

 يفعلون كل ذلك، لأن المقابر هي موضع للذاكرة الجماعية وأمكنة للترابط بين الأجيال إذ أن زيارة الأموات الموارين فيها يسمح لفكرة المقاومة أن تنتقل من جيل الى جيل.

لكن سيأتي اليوم لا محالة، ستتحرر البلاد من قبضة العسكر، وسيقوم أخصائيون في عدة مجالات منها انثروبولوجية الجريمة بدارسة جرائم العسكر ضد الموتى والمقابر، وسيذهل الناس عندئذ بمدى خبثهم.

تعليق واحد

  1. al Moghraby بتاريخ

    مع الأسف الشديد هذا هو سلوك حكم العسكر في كل زمان و مكان…الشهداء و المغدورون من عامة الشعب أحياء عند ربهم يُرزقون أما جنرالات عسكر الإجرام فلهم حسابهم عند الله تعالى حيث لا شفيع من جنرالاتهم المُجرمين…
    – و الظاهر اليوم بتوالي الكشف عن المقابر الجماعية في ليبيا التي إقترفها الجنرال المُجرم هفتر و زبانيته منذ 2015, أن جزائر الجنرالات الإنقلابيين لن يفلتوا من المساءلة هم أيضاََ خلال الحقبة السوداء (1990-2000) و ما تلاها قريبا إن إن شاء الله تعالى.

Exit mobile version