يكاد يُجمِع الخبراء والهواة في الرياضيات أن الطرح السليم للمسألة هو نصف الحل!
Un problème bien posé est un problème à moitié résolu !
إعادة الإعتبار لعقل المسلم
المراجع الرئيسية للفكر الإسلامي هي الكتاب ثم السُّنة، ومهما كان إجتهاد العلماء والسلف الصالح حافلا والتاريخ الإسلامي زاخرا بنماذج تطبيقية وعِبر ثمينة، لا يُعقل توقع وجود حلول جاهزة لكل الإنشغالات المعاصرة.
المبرر الأول يبرز في الحكمة المنسوبة تارة لِعلي ابن أبي طالب، كرم الله وجهه، وتارة لسُقراط “لا تُرغموا أولادكم على عاداتكم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم”. فإذا كانت مدة نحو 20 سنة تُعتبر كافية لحصول تغيير إجتماعي هام وجب أخذه بعين الإعتبار، فما بالنا بفارق زمني يُعد بالقرون.
أما المبرر الثاني فهو الدور المميز للعقل الذي كُرِّم وكُلِّف به الإنسان دون المخلوقات الأخرى. بالنسبة للحيوان غير المكلف، تُعتبر الغريزة كافية كدليل التشغيل والسعادة. أما دليل الإنسان فهو القرآن ثم السُّنة، ويُعتبر العقل البشري بمثابة ملحق متجدد لهذا الدليل. الملحق مُقيد ضمنيا بالنص الأصلي الصالح لكل زمان ومكان، والتجديد ضرورة حتمية لمواكبة قطار التاريخ. لا تكريم بدون عقل ولا استخلاف بدون عقل ولا تكليف بدون عقل ولا دين بدون عقل!
دُعاة الإعتماد على
النقل فقط والتحذير من العقل أعداء لدينهم وهم لا يشعرون. لا يمكن لإجتهاد عقول
السابقين أن يعفي عقول اللاحقين، إذ لا دين بتجميد العقل. ولو وُلد هؤلاء بوذيين
لماتوا ترجيحا كذلك، ولو وُلدوا يهودا لماتوا على ما وجدوا عليه أباءهم، وربما بتشنجهم
لماتوا صهاينة. لا يخاف من نعمة العقل إلا دعاة الأفكار والمعتقدات الباطلة أو
عملاء الإستبداد أو أصحاب العقول المحدودة الذين غالبا ما يتسترون بالمزايدات.
طبعا هناك أسئلة وجودية من صلاحيات الخالق فقط لا يمكن للمخلوق أن يخترقها والعقل
السوي هو أول من يدرك هذا. لولا نعمة ونور العقل لما ترك أقوام مشركون وضالون معتقداتهم
ودخلوا في دين الله أفواجا عبر كل العصور.
إيمانويل كانط مُشرِّح العقل
لم يقم أحد بتشريح العقل وميكانيزمات التفكير العقلاني لكسب المعرفة مثل إيمانويل كانط،أبرز فلاسفة عصر التنوير عند الكثير، عالم رياضيات، ومفخرة الأمة الألمانية (1724-1804). لدى كانط مؤلفات كثيرة منها “نقد العقل الخالص” و”نقد العقل العملي” وهي مراجع عالمية (1-6).
قام كانط بإبطال النظرية السائدة لهيوم (Hume) والتي تعتبر مخ الإنسان كسبورة خالية تمتلئ بالمعرفة التي تبرزها التجربة. إضافة إلى هذه المعرفة اللاحقة أو الإستقرائية (a posteriori) عرَّف كانط نوعا آخر أهم وهي المعرفة المسبقة (a priori)، التي يمكن إنتاجها بدقة بفضل العقل فقط وبدون أي تجربة. الرياضيات والمنطق هما أهم الأدوات لهذا الغرض. وعرَّف بالتفوق الفكري (transcendence) القدرة على إنتاج المعرفة المسبقة (a priori) وتوظيفها حتى في العلوم التجريبية والإنسانية لتقليص الجانب التخميني وترقية هذه التخصصات إلى منزلة العلوم.
وأول تطبيق لهذا النهج خصّصه كانط للمحرك العقلي ذاته. وسَجّل بداية أن دور العقل البشري يفوق تحقيق السعادة، خاصة أن نشاط العقل في كثير من الحالات يعارض تلك السعادة. لو أُريد للإنسان أن يعيش سعيدا فقط لكانت الغريزة كافية. هذا الدور النبيل للعقل يتمثل في الأخلاق. والأخلاق تستوجب وجود عدالة لمحاسبة الظالم، وبما أن العدالة العاجلة غير كافية فهناك عدالة آجلة حتمية مرتبطة بالدين والخالق. وهكذا أسس كانط ما سماه بالثيولوجيا العقلانية. كانط تمرد على المسيحية وكان يحب الإعتزال والتأمل، ومن أقواله الشهيرة:”شيئان فقط يسببان لي الخوف والرجاء، السماء المليئة بالنجوم من فوقي والقانون الأخلاقي في داخلي”. هذه المقولة الرائعة تُذكر بآيتين في سورة آل عمران: “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار”. وتُذكر بآية أخرى في سورة فُصِّلت “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ”.لم يقم كانط بتفسير الآيات ولكنه يبدو موصفا لثمار العمل بها.
لديه مقولة أخرى تشدّ الإنتباه “من أجل إفساح المجال للإيمان، اضطررت إلى التخلص من بعض المعرفة”. هذه المقولة الصادمة للبعض تُذكرني بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يتعوذ فيه من العلم الغير النافع. والغريب أن أحد نجوم القنوات العربية، العليم اللسان والمتاجر به، إبراهيم عدنان (5)، حَكم على كانط بأنه فيلسوفا مؤمنايدعو إلى لإلحاد بسبب إيحائه أن الدين يتعارض مع العلم !!؟؟
هناك لغز وسِر ارتبط بكانط لمدة قرنين ونصف، وهي عبارة عن رموز غامضة في السطر الأول من الصفحة الأولى من رسالته للدكتوراه التي ناقشها بامتياز في سنة1755. لم يتم كشف السر إلا في عام2004 بمناسبة الإحتفاء بمرور 200 سنة على وفاته. واكتشف العالم يومها أن كانط افتتح رسالته بالبسملة باللغة العربية “بسم الله الرحمن الرحيم” (5-6). والبسملة هي إمتثال لأمر الآية الأولى في القرآن “اقرأ باسم ربك” والتي يُرجى من خلالها حصد العلم النافع فقط!
يعتبر الكثير من المفكرين أن كانط هو أكبر فيلسوف في التاريخ، وبعد أن نشأ في أحضان عائلة مسيحية محافظة تمرد كليا على الكنيسة:”إنّ ديناً يعلن الحرب على العقل سوف يصبح مع مرور الزمن غير قادر على الصمود أمامه !”
هناك إشارات قوية ولكنها متقطعة أن كانط اهتم بالإسلام. ويتضح الآن بعد كشف سر البسملة أن هذه العلاقة كانت محرجة بسبب مكانة هذا الفيلسوف العظيم في ألمانيا وأوروبا. لقد سبق لي نشر مقال حول هذه الشخصية المميزة باللغة الفرنسية تحت عنوان “عقلانية كانط لتفكيك الأحكام المسبقة” (7).
ضوابط البحث عن الحقيقة والحل الصحيح
الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وماذا بعد الحق إلا الضلال. البحث عن الحق هو الذي هدى شعوبا وقبائل إلى دين الحق، ولكن يخطئ من يظن أن المهمة تنتهي في ظل الإسلام. بل هو فرض قائم من المهد إلى اللحد إذ لا يمكن للعقل أن يتقاعد عن البحث عن سعادته العلمية والفكرية والروحية.
كثير ما يقال أن الحقيقة واحدة والباطل والكذب بأوجه وخيارات عديدة. هذا صحيح بالنسبة للأحداث التاريخية مثلا، فمهما تعددت الروايات والتـأويلات تبقى الحقيقية واحدة. وعلى ذكر التاريخ يجدر التنبيه إلى أن الأهم فيه هو الإعتبار النوعي وليس معرفة الكم. حكمة غربية تقول أن “الرأس المُرتب أفضل من الرأس المُكتظ”. “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ”. هذه الآية تدل على عدم إلزامية معرفة كل الأحداث والشخصيات التاريخية البارزة، وتؤكد أفضلية النوعية على حساب الكمية.
وجود حل وحيد أو حقيقة وحيدة لا يعني بالضرورة وجود عدد واحد فقط أو عنصر فريد، لأن مجموعة الحل أو دائرة الحقيقة قد تكون أوسع بكثير. بمنطق الرياضيات إنتقاء جزء فقط من المجموعة الصحيحة وإلغاء الباقي يعتبر خطأ. صحيح أن الورع يكمن في ترك الشبهات التي تغمر أحيانا الخط الفاصل بين الحلال والحرام، ولكن لا يجب الإفراط في هذا الإحتراز إلى حد التضييق، والوسطية هنا قد تستلزم علم موسوعي وتقييم عدة مختصين. قد يحتاج الإنسان إلى إختيار الحل الأفضل من ضمن الدائرة الواسعة باستعمال معايير معينة ولكن المقاربة الفكرية السليمة تستوجب عدم التضييق المسبق لتلك الدائرة، لأن غيره قد تكون له مبررات ومعايير مختلفة ويكون اختياره الأفضل مختلف.
تعاني الأمة من هذا التضييق الفكري المتجذر قي بعض المناهج الإسلامية. الإسلام دين يسر، وتضييق الواسع مثل الزهد يُبعد صاحبه من ربه عوض أن يقربه منه، إذا حاول إلزام غيره به.
من كرم ويُسر الإسلام أن المجموعة الصحيحة أو دائرة الحقيقة غالبا ما تكون أوسع من الخطأ. وهنا يُستحسن عدم محاولة تحديد المجموعة الصحيحة ونكتفي بالتعرف على المجموعة المكملة، بمعنى آخر نعرف الخطأ أو الحرام لكي نتجنبه! فما ليس حراما كله مباح ولنا فقط أن نختار الأفضل منه ولا يحتاج أن يكون ذلك مذكورا في القرآن أو في السنة أو في التاريخ الإسلامي الطويل. على العقل السوي المُقيد بالضوابط الشرعية أن يقوم بمهامه.
الحقيقة الوحيدة وأوجه الباطل العديدة تتجلى في الآية التالية من سورة الأنعام “وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ”. ولكن لا يجب فهم الصراط المستقيم كممر ضيق، وسورة العنكبوت ترفع الإلتباس وتصف الإهتداء إلى الدائرة الواسعة. السورة تبدأ بتأكيد سُنة الإبتلاء والصيغة التساؤلية عِتاب للمشككين “الم -أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ”. ويأتي الرد الشافي في آخر آية “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا”. وحسب المفسرين الجهاد المقصود في هذه الآية التي نزلت قبل فرض القتال هي الإستقامة والإمتثال للأوامر والنواهي، وأرى أنه يشمل على وجه الخصوص جهاد العقل فيطلب العلم والتفكير والتأمل، وكمثال نذكر إختبارات الحمض النووي التي أصبحت تثبت النسب بدقة وتنصف أصحاب الحق.
التفكير النافع والمُنمي للقدرات الذاتية
من شروط إنتاج الفكر السليم المبدع التسلح بالعلم الشرعي والقيم العقلانية والمنطق الرياضي والقيم المعاصرة النافعة، وتجنب العلم غير النافع والثقافة الضارة والملوثة. الإستقامة والعقلانية ضرورتان متلازمتان لليقظة الفكرية القادرة على كشف الأفكار الخاطئة وعلم الكلام المُزيف وتفكيك الألغام الجميلة، ثم شق الطريق نحو الحلول المناسبة.
يُعد التأمل من أهم العلوم النافعة وما أكثر العلوم غير النافعة. الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يتعوذ من العلم غير النافع وكان قبل بعثته كثير التأمل. الحقيقة تتجذر أكثر كلما وصل إليها المرأ بجهده الخالص. العلم النافع نوعي وليس كمي بل كثيرا ما تكون الكمية مُلوثة وضارة.
ينسى الكثير من الناس مدى فضل الأميين عليهم بداية من النبي الأمي. وحتى الحروف والكتابة هي من إبداع الأميين بفضل الحدس البشري الذي فطره الخالق عليهم، ويجهل هؤلاء أن الناكرين للجميل قليلا ما يستفيدون من الهبات التي يتلقونها، والأسوأ هو أن عقوبة الإستعمال السيىء لا يمكن استبعادها أبداً. هذه هي أهم أسباب الوقوع في العلم غير النافع.
علينا ألا ننخدع بالثقافة الواسعة. أستُفِز عمي بشير معلى، يرحمه الله، ذات يوم وهو ينتقد الموقف العدائي للإسلام السياسي لأحد الأشخاص، وقيل له أن هذا الأخير يتمتع بثقافة عالية. فأجاب شامخا: “واه كاش واحد مثقف كيما الشيطان؟” ولذا في حال تشخيص ثقافة ضارة أو معرفة ملوثة، يُستحسن الإقتداء بكانط والتخلص منها!
ولنا عبرة أخرى في مقارنة الفلاسفة الأقدمين والمعاصرين. لإكتظاظ وتلوث ثقافتهم، الفلاسفة الغربيون المعاصرون كلهم ملحدون والعكس صحيح تماما بالنسبة للأقدمين الذين امتازوا بإنتاج فعلي للعلم والفكر الموسوعي بفضل التفكير السوي والتأمل العميق وعدم الإفراط في الإعتماد على أفكار الغير.
وكأن أفلاطون تنبأ واقعنا لما حذّر قبل 25 قرن من خطر الوقوع في إلحاد الأشعة الأولى “قليل من الفلسفة يفتح أبواب الإلحاد والكثير يعيد إلى الدين”.
“Un grain de philosophie dispose à l’athéisme, beaucoup de philosophie ramène à la religion.”
أما الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني ألفريد وايتهاد فقد عبّر بطريقته على ميزان السُّلم الفكري”كل الفلسفة الغربية الحالية ما هي إلا عبارة عن ملاحظة على الهامش السفلي لكتب أفلاطون !”
الشيخ الغزالي، يرحمه الله، قال أن بعض هؤلاء الحُكماء (مثل سقراط و أفلاطون) ربما كانوا أنبياء عند أقوامهم، وقد يكونون من ضمن الذين لم ترد قصصهم في القرآن.
في ظل المناهج التعليمية الحالية، العلم الشرعي وحده غير كاف لإنتاج الفكر النافع والهادف، والحمد لله على وجود إستثناءات مشرفة، ولكنها لا تلغي القاعدة بل تؤكدها. الخطاب الإسلامي بحاجة إلى التخلص من الطفولية والشعبوية والخشبية، وهناك أمثلة كثيرة للعجز والفشل والإنحراف وحتى الخيانة. ولإبراز ضرورة التدعيم بالقيم العقلانية تكفي الإشارة لذلك الخطيب الذي نفى بكل وقاحة دوران كوكب الأرض أمام كل العالم (8) !
تساؤلات حول الواقع الحالي
هذه الفقرة الأخيرة تبدو بعيدة نوعا ما عن سياق الموضوع الرئيسي ولكنها أضيفت كنموذج إجتهادي بسيط مرتبط بالواقع.
المسلم مكلف بتقوى الله ما استطاع، وسُنّة التدافع لا غُبار عليها مصداقا لقوله تعالى “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”. التدافع لا يعني دائما الجهاد. الثبات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلهم من التدافع، وكذلك الشأن بالنسبة للإنتاج الفكري النافع. الحراك السلمي الحالي في الجزائر تدافع حضاري بل هو جهاد أكبر.
التسيير المعاصر للمجتمعات حيث كل دولة لها حدود ثابتة وجيش مُوحد، لا يسمح بالخروج على الحكام المستبدين بالقوة والإقتتال، ويصبح الإحتجاج السلمي هو الأنسب. ولتقييم وضعنا الحالي لنتأمل أقصى الحالتين:
1- أفضل حال : حتى في ظل دولة الرسول والخلفاء الراشدين تعايشَ الإيمان والكفر، والإبتلاء ماض إلى يوم القيامة حتى في ظل حكم على منهاج النبوة. لنتذكر قصة ذلك التابعي الذي كان يتحسر لكونه لم يدرك زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فتصدى له عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ويحك رجال صناديد أفضل منك خسروا آخرتهم من شدة الإبتلاء!
2- أسوأ حال : حتى إذا عاد الإسلام غريبا سيبقى هو الحل وطوبى للغرباء !
رأيي في الأحداث الجارية معروف وعبرت عنه في كتابات سابقة ولكنه رغم الترجيح الذي يتضمنه لم يبلغ حد الفصل بالمنطق الرياضياتي المبجل في هذه المساهمة. ولذا سأكتفي هنا بإبداء إهتماماتي وتطلعاتي بطريقة تساؤلية.
عودة إلى الحالتين السابقتين، هل نحن أقرب إلى الأولى أم الثانية؟ هل وضعنا يسمح بالإملاء على غيرنا”أسلم تسلم”؟ ألسنا أقرب إلى ظروف صلح الحديبية ألا يعتبر التمكين مفقودا ومهددا حاليا مثلما كان في الحديبية ؟أليست مؤامرات وتحالفات قريش المعاصرة أخبث مما كانت عليه الأولى ؟إذا كان الإسلام دين واقعية وعقلانية، ألا يجب الحفاظ على الأهم ولو اقتضى ذلك التنازل على المهم ؟ هل رفْع سقف المطالب إلى أقصى حد سيحققها كلها أم أنه سيسبب الإنهيار الكلي ؟ وهل رفع السقف يعني حتما زيادة في حدة الشعارات ؟ لكل أجوبته وأنا لا أُورط نفسي إلا في حالة واحدة لأنها واضحة !
دون أي ترجيح ضمني لهذا الإحتمال، إذا كنا فعلا في وضع يشبه الحديبية فالجواب واضح، عوض أن نقتدي بالصحابة المتحمسين بمطالب ومواقف عالية السقف، الأجدر بنا الإقتداء بالرسول وبحكمته صلى الله عليه وسلم، وقد يعود ذلك بالخير علينا جميعا من حيث لا نحتسب !
المراجع
(1) https://en.wikipedia.org/wiki/Immanuel_Kant
(2) https://www.les-philosophes.fr/kant-critique-de-la-raison-pure/Page-6.html
(3) https://la-philosophie.com/critique-de-la-raison-pratique-kant
(4) https://la-philosophie.com/kant-religion
(5) https://www.youtube.com/watch?v=7BYGorwHb4E
(6) http://r-p-e.blogspot.com/2014/02/what-is-islamic-philosophy.html
(7) https://hoggar.org/2018/03/30/le-rationalisme-de-kant-pour-dejouer-les-prejuges/
(8) https://www.youtube.com/watch?v=6rF3wXGqkxQ
الروابطhttp://lequotidienalgerie.org/2019/06/03/المقاربة-السليمة-لإنتاج-الفكر-النافع
عبد الحميد شريف – بروفيسور في الهندسة المدنية
تعليقان
قول الأستاذ عبد الحميد : ” إذا كان الإسلام دين واقعية و عقلانية ألا يجب الحفاظ على الأهم و لو اقتضى ذلك التنازل على المهم “. ما نفهمه أقرب إلى سياسة 🙁 خذ و طالب ) ، أليس كذلك ؟ و هو آت من كوننا ندرك أن ما لا يدرك كله لا يترك جله . مثل هذا ممكن و مسلم به ، لكن يا أستاذ شريف ، من هو المعني بهذا الكلام تحديدا ؟ من دون شك ليست هي قيادة الأركان ، و لا هم المصطفون على مقربة من مائدتها ، من سياسيين و إعلاميين ، على وجه الخصوص . هل هو الشعب المطالب بالتغيير جملة دون تفصيل ؟ لا يمكن لأي كان أن يراهن على قيادة الشعب في حراكه لنفسه بنفسه و مواجهة المتغيرات . ما نستشغه من كلام الأستاذ عبد الحميد أن هندسة الأحداث تقتضي وجود فراغ ، و وجود جهات فاعلة مؤثرة ، لكن الأهم في ذلك ، من تكون هذه الجهة الفاعلة المؤثرة التي يمكن أن تهتم بسؤال الفراغ ، و موازنة الأهم و المهم، و التواصل في هذا الشأن بالذات مع الجهة المتحكمة و المؤثرة ؟ من دون بلورة هذا السؤال ، تبقى بافي الأسئلة دون معنى يذكر .
من صميم انتاج الفكر النافع ، الذي هو عمل بشري ، و اجتهاد إنساني ، تنمية العقل التساؤلي ، و مثل هذا كان بارزا عند من تتلمذوا على يد أساتذة جزائريين ، عكس أولئك الذين أخذوا دروسهم عن أساتذة مشرقيين ، إبان سبعينات و ثمانينات القرن الماضي ، فالفئة الأولى تنطلق من مشكلة ، أما الثانية فتعتمد السرد و الإلقاء ، الأولى تكتفي بالقليل المركز ، و الثانية تركز على حشو رأس المتعلم و كراسته عن آخرها ، هدفها الكم ، و ليس سوى الكم . و انعكس ذلك عملية الانتاج الفكري برمتها ، و طريقة التعاطي مع الأحداث و تصور الحلول تحديدا ، و لم تسلم الحركة الإسلامية من آثار ذلك ، إذ نجد اليوم من يستغرب غياب الشعارات التي عهدناها خلال بداية التسعينات و قبلها بقليل ، و يتساءل عن دور الصحوة الإسلامية في كل ما يجري اليوم ، و يرى مثلا ، أن الحل يكمن في فك الحصار عن بعض القيادات السياسية الإسلامية ، لتقود الحراك الشعبي من أجل تغيير النظام ، و لم يسلم كون الحراك الوطني هو صحوة اجتماعية تتصل أكثر ما تتصل بمنهج العلماء و المفكرين المسلمين أمثال ابن باديس ، الإبراهيمي ، و مالك بن نبي ، الذين نهلوا فعلا من منبع النبوة ، و لم يتسببوا في شرخ لحمة الجزائريين في يوم من الأيام ، بالرغم من دسائس الاستعمار البغيض . و على هذا الأسلس نجد اليوم من يرفض مجرد النقاش في حدود ما هو انتاج فكري ، يمكن أن يكون نافعا ، أو مدخلا إلى دائرة الانتاج النافع، كأن يناقش المرء سؤال الصحوة الإسلامية ، و علاقته بصحوة المجتمع ، فيطرح ، على سبيل المثال ، و ليس حصرا ؛ هل يمكن القول : ” الصحوة الإسلامية ادعاء أكثر منه دعوة ، و تنظيم أكثر منه نظام ! ؟ ” . بعضنا يعتبر مثل هذا السؤال غير مقبول و غير مفيد ، و لا يجوز طرحه البتة . و ما يطرح بهذا الخصوص يمكن أن يطرح بخصوص مدخلات و مخرجات الحراك و الدور المنوط بالنخبة .