في يوم السبت 19 مارس 2016 أقام معهد “سيفيتاس” حلقة دراسية بمدينة جرينيل بفرنسا. وهذا المعهد من المؤسسات الدراسية المتعصبة التي تهدف إلى إقامة مملكة الرب يسوع الكاثوليكية على الأرض. وكان عنوان هذه الحلقة: “من الحرب في الشرق الأوسط إلى الهجرة والإرهاب في أوروبا”. وكانت المداخلات الثمانية بالعناوين التالية: “الخطة العولمية لإعادة تخطيط حدود الشرق الأوسط (بيير هيلار)؛ ما نعيشه فعلا في سوريا (الراهبة آنييس مريم)؛ الشرارة اللبنانية (إيلي حاتم)؛ دور الوهابية (جان ميشيل فرنوشيه)؛ الإرهاب: أداة صراع في خدمة الصهيونية (يوسف هندي)؛ الالتزام الروسي ضد الإرهاب (ألكسندر مارشنكو)؛ الفوضى في الشرق الأوسط وفي أوروبا: مسئوليات الحكومة الفرنسية (داميان فيجييه)؛ عواقب الهجرة (جان ماري لوبن)”. وفي النهاية قام رئيس المعهد بتلخيص الموقف المحبط من مجمل المداخلات.
وأبدأ بتوضيح الفرق بين مصطلح العولمة (mondialisation)والعولمية (mondialisme)، الحديث الاشتقاق نسبيا، فالأول يعني أساساً اتجاه المؤسسات المتعددة الجنسيات إلى تبني استراتيجيات تؤدي إلى خلق سوق عالمية موحدة؛ وإن كان في حقيقة الأمر يعتمد على أربعة محاور هي: السياسة والاقتصاد والمجتمع والدين. أما الثاني، فيعني توحيد الوحدة السياسية للعالم على أنه جماعة إنسانية واحدة.
وإن جاز تلخيص بعض العبارات إجمالا لكانت المرارة هي الغالبة على مشاعرنا فالعداء للإسلام والمسلمين يبدو كاسحا لا رجعة فيه، كاسحا لأية فرضية أخرى خاصة وأننا لا نتحرك ولا نتخذ أية مبادرات وإنما نكتفي بالإدانة والشجب والاعتراض والصمت، وكأن الأمر لا يعنينا.. فحين نطالع عبارات على سبيل المثال: “أن هجوم الإسلاميين يهدف الإطاحة بالحضارة المسيحية؛ ضرورة رفض الزيجات المشتركة؛ لا بد لنا من الاتحاد من أجل السلام والسلام يعني تقويم الإسلام واقتلاعه من أراضينا؛ كيف نقبل المهجرين الباحثين عن العمل في الوقت الذي تعاني فيه شعوبنا من البطالة ؟ ؛ الهجرة بدأت في فرنسا منذ عدة سنوات بواقع 300000 مهاجر سنويا، أي لدينا الآن 12 مليون إسلامي زحفوا إلينا وباتت فرنسا تئن تحت وطأة 15 ـ 20 مليون مهاجر خلال أربعون عاما؛ الإسلاميون يستولون على البلدان الأوروبية؛ الوضع شديد السوء والأسوأ قادم لا محالة إن لم نتحرك؛ نحن مهددون بالاقتلاع من بلداننا بسبب أناس أقوى مننا؛ دور الوهابية في الإجرام الدائر في الشرق الأوسط يؤكد أن تنظيم داعش ابن تنظيم القاعدة وحفيد الوهابية؛ الحل الوحيد لمواجهة هذه الموجة الكاسحة للإسلاميين هي تفعيل عمليات التبشير والتنصير إلى أقصى درجة”…
وعلى صعيد أخر أتت مداخلة بيير هيلار أكثرهم بعدا عن الانفعالات وأكثرهم عقلانية ودراسة للجوانب المتعددة للنظام العالمي الجديد وما بعده، أي نظام العولمية الذي بدأ تطبيقه فعلا. وبيير هيلار هو أستاذ متخصص في العلوم السياسية، خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. كما أنه من القلة المدركة للأيادي المحركة لهذا العداء المفتعل الراسخ ضد الإسلام والمسلمين. فهو يوضح أن المساندين لمؤامرة العولمة وما بعدها هي عائلات طائلة الثراء، يمكنها التحكم في اتجاهات فكرية اعتمادا على نخب تصنعها أو تساهم في صنعها. وذلك من قبيل عائلات روكفيلر، وروتشيلد، ومورجان، وسيسل، وسوروس، وبيل جيتس. فهم يختارون رجالهم من بين بعض شباب السياسيين، والمثقفين ذوي العقليات المتحررة، والميالين للعولمة، والمغرورين بأنفسهم أو الذين يمكن إفسادهم بسهولة عن طريق المال ومشتقاته. ثم يحصلون على منح دراسية، ويتم ضمهم إلى شبكات تابعة لتلك العائلات ومؤسساتها..
ومن أهم مؤلفات بيير هيلار: “تفتيت البلدان الأوروبية: من أوروـ أطلسية إلى الدولة العالمية” (2010)، وهو ما يتم فعلا بخطى سريعة لا رجعة فيها، على حد قوله، خاصة بعد معاهدة ليزبونا، ثم إقامة حكومة اقتصادية أوروبية. و”المسيرة القهارة للنظام العالمي الجديد” (2013)، وأهم ما يوضحه فيه هو هدف تلك النخبة القائدة للعولمية، التي لا يعنيها تحرير الشعوب وإنما هدمها لبناء “إنسانية” مطيعة تدخل حظيرة النظام العالمي الجديد طواعية. وهو آخر معاقل الفوضى المأساوية للقرن العشرين وما بعده. و”حوليات العولمية” (2015)، الذي يشرح فيه حقيقة “الكيمتريل”، ومشروع ” HAARP”، والرغبة المرعبة في هدم شعوب العالم.
وقد بدأ مداخلته بالإشارة إلى أن الأحداث الجارية حاليا قد بدأ الترتيب لها منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية التي انتهت بقرار إنشاء الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين. مستندا في تحليله هذا إلى كتاب “الخطة الصهيونية للشرق الأوسط” الذي يؤكد على ضرورة تنفيذ مخطط من النيل للفراط. فمنذ عام 1982 تقرر بلقنة الشرق الأوسط فعلا، بمعنى تقسيمه وتفتيته لتسهيل عملية إقامة دولة إسرائيل الكبرى. وقد أعيد نشر هذا الكتاب سنة 2013 مع التأكيد على استمرارية تنفيذ مخطط التقسيم.
وكتاب “المخطط الصهيوني للشرق الأوسط” للسياسي الصهيوني أودد يينون، صدر في خريف 1981، أي قبل المواجهة الكبرى بين إسرائيل ولبنان سنة 1982 وعملية “السلام في الجليل”، وهي العملية التالية لعملية الليطاني سنة 1978. وقد ترجمه إلى الإنجليزية إسرائيل شاحاك. ومن أهم ما نطالعه في هذا الكتاب/المخطط: “لكي تستمر إسرائيل في الوجود لا بد وأن تصبح دولة إمبريالية عظمى في المنطقة، وأن تتأكد من نسف البلدان العربية، حتى يمكن تفتيت المنطقة إلى بلدان صغيرة عاجزة وغير قادرة على مواجهة القوى العسكرية الإسرائيلية”!
ومن أهم ما يكشف عنه بيير هيلار، اعتمادا على أحداث ووقائع معاصرة، أن الهدف الأخير لتلك المؤامرة الدائرة هو خلق “دولة عالمية” تكون فيها سيادة الدول ممحية تماما. كما يرى أن أوروبا حاليا عبارة عن معمل اختبار للعولمية، وأن منظمات من قبيل هيئة الأمم (تم انشاؤها بعد الحرب العالمية الأولى)، وهيئة الأمم المتحدة (تم انشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية)، ليست سوى أدوات تنفيذية للإعداد للحكومة العالمية الموحدة.
وتقوم العولمية على نسق أساسه هدم الدول والديمقراطيات والتراث والعادات المحلية لخلق إدارة عالمية يكون التحكم فيها بأيدي نخبة مالية استغلالية. ويُعد الاتحاد الأوروبي مثالا على العولمية لأن 80 % من القوانين التي تُفرض على الدول صادرة عن الاتحاد الأوروبي. بمعنى أن ذلك الاتحاد هو فخ تم إعداده لهذا الغرض. لأن هدف ذلك الاتحاد ليس ضمان السلام في أوروبا وإنما خلق أداة أوروبية عليها أن تلتحم ذات يوم بأهداب إدارة للقارة الأمريكية، شمالا وجنوبا، وإدارة للقارة الأسيوية، لكي يكوّن الجميع إدارة عالمية واحدة، كنوع من الديكتاتورية العالمية، يتحكم فيها بضعة مئات من الأثرياء متعددي المليارات.. يتحكمون في مفاتيح خلق العملات والطاقة والغذاء والمياه.. أي هدم كل شيء قائم في الدول من أنظمة وتراث وعادات لكي يقوم سكان العالم بأكل وارتداء ومشاهدة واستهلاك كل ما تقدمه لهم عملية تتجير واسعة النطاق. ونفس الشيء يتم بالنسبة للأديان.
الإسلام هو العقبة
وما نخرج به من كل ما قيل في هذه المداخلات من الناحية الدينية يمكن تلخيصه في عبارة : أن الإسلام هو العقبة الوحيدة أمام تنفيذ مخطط العولمية. فالعولمية تعتمد على إقامة مجتمع استهلاكي، غرائزي، ماجن ومنفلت، تكون فيه الخمور والمخدرات والمتعة والجنس وكل ما هو فاحش عبارة عن أمور عادية، مقبولة، لا عيب ولا حرام فيها.. والإسلام يدعو إلى كل ما هو عكس هذا النموذج المنفلت، نموذج الاستهلاك الغربي والانفلات حتى الثمالة. وأن القيم التي يدعو إليها الإسلام تصطدم مع ما يفرضه الغرب، حتى وإن كانت هناك قلة في المجتمعات الإسلامية والعربية قد انساقت بالفعل أو بدأت تنساق في هذا المنحنى، في مختلف الميادين الاجتماعية والفنية والفكرية، متصورين خطأ أن تلك المحاكاة من قبيل التقدم والتحضر، غير مدركين أنهم بذلك يفقدون هويتهم ودينهم وأخلاقهم.
لذلك نعيش بوضوح منذ ما يقرب من عشرين عاما، وإن كان تحديدا منذ مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، الذي قرر تنصير العالم، نعيش عملية شيطنة لا مثيل لها ضد الإسلام والمسلمين. وهي شيطنة مفروضة على كافة المجالات الإعلامية وغيرها، في الغرب، حتى كاد المسلمون يفزعون من دينهم! فهذه الشيطنة وهذا التجريح المتعمد، القائم على إخفاء الحقائق والمبالغة الممجوجة لأية مسالب، اعتمادا على أكاذيب متعمدة ليست بحاجة إلى إثباتات يتواصل بإصرار غريب. وقد كانت نقطة الانطلاق لهذه الشيطنة المغرضة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي قامت بها قيادات الولايات المتحدة وتلفعت هي وأتباعها بشرعية دولية لبدء مخطط تفتيت وتحطيم العالم العربي والإسلامي..
والوضع بصفة عامة ليس بهاجة إلى أدلة وبراهين، إذ أننا نعيشه فعلا في مرارة لا تغفلها عين.. والأمر ليس مرفوعا لكل المسئولين في شتى المجالات، في العالم الإسلامي والعربي فحسب، وإنما هو نداء موجه إلى كافة المسلمين في العالم الإسلامي والعربي، حكاما ومحكومين: تمسكوا بتعاليم الإسلام السمحة، التعاليم التي أنزلها المولى عز وجل، تعاليمه الدينية الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية وابعدوا أو كفّوا عن محاكاة الانفلات الغربي في كافة المجالات، علنا بصمودنا هذا وتمسكنا بديننا وتعاليمه نعاون على صون العالم من الانهيار..
زينب عبد العزيز
3 أبريل 2016
تعليق واحد
مشكلتنا قبليتنا للإستعمار
لم يعد الغرب قادرا على إخفاء نواياه ،فهو غير راض ودائم الهلع في جزع رهيب وفي منع مريع ،لايرى سوى صورته ولا يريد لها سوى أن تستوعب كل الصور ،لم يكفيه إبادة هنود أمريكا واستعباد شعوب إفريقا وقتل الملايين منهم ،كل ذلك لم يشف غليله ولم يشبع رأسماليته ،فهو لم يرض ولن يرض ،وسوف يزداد هلعه وجزعه ومنعه،فهل هو فرعون العصر ؟ كلا فهو أهلع وأجزع ،إنه لم يعد يؤتمن جانبه على شعوب أوربا ذاتها لأن ما يخفيه أخطر بكثير مما يعلنه .
أما نحن المستضعفون في عالمنا فلن ينفعنا بعد اليوم ،كما لم ينفعنابالأمس ،سب الظلام ، إن المشكلة كل المشكلة في قابليتنا ،فلنقرأ ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا باسم الله من داخل عقولنا ، حينها سوف نسمع وسوف نبصر وسوف نصل .